ذلك الاجتهاد مذهبا له كذلك اختيار المقلد لمذهب عالم هو كالاجتهاد منه فى ذلك الحكم.
وقيل بالنية والعمل فما لم يعمل فهو غير ملتزم لانه اذا نوى ولم يعمل كان كالمجتهد الذى لم يجزم بشئ.
وقيل بل بالنية والقول والعمل لان التقليد التزام وايجاب على النفس أن لا يعدل عن قول هذا العالم والايجاب كالنذر فكما لا ينعقد النذر بمجرد نية ولا عمل بل لا بد من لفظ.
كذلك التزام المذهب لا بد من أن يقول قد التزمت قول فلان فى كذا أو مذهب فلان فى مسائله كلها.
أقول وهذا كله مما لا دليل عليه
فان السلف من الصحابة ومن بعدهم كانوا على خلاف ذلك فان المعلوم من حال الصحابة رضى الله عنهم أنهم لم يلزموا من سأل واحدا منهم عن حكم واحد وعمل بفتواه أن لا يسأل غيره عن غير ذلك الحكم ولا أنكروا عليه ذلك ولا نقله أحد لا عدل ولا غير عدل.
ولو وقع لنقل واشتهر لانه مما تقضى العادة بنقله.
وكذلك فى زمن التابعين وتابع التابعين الى وقتنا هذا فكان اجماعا على جوازه.
أما قياسهم المقلد على المجتهد فممنوع لوجود الفارق بينهما وهو أن المجتهد اذا تبين له الراجح منع من العدول عنه لكونه حكم الله فى حقه فعدوله انما يكون عدولا عن فرضه الى غيره ورجوعا من الواضح الى المشكل وحال المقلد بخلاف ذلك، فان أخذه بقول العالم ليس طريقا الى معرفة الراجح، وانما هو اختيار منه لكون جميع أقوال المجتهدين صوابا فحاله بعد التقليد كحاله من قبله.
نعم نمنع الانتقال من مذهب الى مذهب لمجرد التشهى والحظوظ العاجلة لان ذلك يؤدى الى الانهماك فى الرخص وعدم المبالاة بالديانة حتى أن اصحابنا رحمهم الله تعالى منعوا من افتاء طالب الرخصة قبل الوقوع فيها وما ذلك الا لخوف التساهل فى الديانة وطلب الحزم فى أمور الدين والنجاة للمسلمين.
وتجويز المانعين الانتقال فى بعض الصور ناقض لقياسهم المذكور فان قياسهم يقتضى اطلاق المنع وذلك التجويز تخصيص بغير مخصص فهو نقض لمذهبهم والله أعلم.