للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو الشرب، لأنه خالص حق الله تعالى، والخصومة ليست بشرط‍ فى الحدود الخالصة لله تعالى، لأنها تقام حسبة لله تعالى فلا يتوقف ظهورها على دعوى العبد، والجرائم التى للعبد فيها حق بجانب حق الله تعالى هى جريمة السرقة والقذف وان اختلفا من حيث قوة حق العبد فيهما، فان السرقة اعتداء على المال، والمال لا بد له من مالك فجانب الملكية المصونة المحرزة فى حرز مثلها جزء من ماهية الجريمة، والحد لا يثبت الا اذا تحققت الملكية المحترمة التى هى فى حرز مثلها، فالجانب الشخصى متحقق وثابت فى الجريمة والحد ملاحظ‍ فى اثباته ذلك الجانب الشخصى.

ومن ثم قالوا ان حق العبد ثابت فى السرقة فى الابتداء وحق الله ثابت فى الحد فى الانتهاء وكان مقتضاه أن يكون الحد فيها حقا خالصا لله تعالى ولكن نظرا لأن اثبات ذلك لا يتحقق الا بعد تحريك الدعوى من المسروق منه والخصومة وطلب الحد كان للعبد نوع حق وان لم يكن غالبا.

واشتراط‍ الدعوى والخصومة فى حد السرقة هو رأى الحنفية والشافعية وأكثر الحنابلة، لأنه لا بد لتحقق السرقة من كون المال مملوكا ومحترما ومحرزا فى حرز مثله ولم يبح للسارق، ولا يتحقق كل هذا الا اذا ادعى المسروق منه اذ عساه يكون قد أباحه له أو مكنه منه أو لم يكن فى حرز مثله وغير ذلك من احتمالات .. ومع هذه الاحتمالات لا يقام الحد للشبهة وسقوط‍ الاستدلال.

وذهب المالكية وبعض الحنابلة الى أنه لا حاجة الى الدعوى فى السرقة من المسروق منه وذلك لعموم النص فى قوله تعالى «وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ. وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»}. (١)

والقذف جانب الحق الشخصى فيه أوضح منه فى جانب السرقة كما سبقت الاشارة اليه. وقد اتفقوا على أن الخصومة شرط‍ فى ثبوت حد القذف اذا لم يكن أساسه الاتهام بالزنى فى مجلس القضاء.

ومع أن الحنفية يشترطون الدعوى والخصومة فى حد القذف - فانهم يقررون أن الأفضل للمقذوف أن يعفو.

يقول الكاسانى: الأفضل للمقذوف أن يترك الخصومة لأن فيها اشاعة الفاحشة والعفو عن الخصومة والمطالبة التى هى شرطها من الفضل والكرامة. وقد قال تعالى «وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ» (٢) واذا رفع الأمر الى القاضى يستحسن للقاضى أن يقول قبل الاتيان بالبينة أعرض عن هذا لأنه ندب الى الستر والعفو.

والحدود عند الحنفية وجبت حقا لله


(١) الاية رقم ٣٨ من سورة المائدة.
(٢) الاية رقم ٢٣٧ من سورة البقرة.