للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجريمة وسبب لاشاعة نوعها، ولأن التسامح مع الجانى قد يؤدى الى توبته.

أما العفو بعد الترافع الى الحاكم وقبل الاثبات واقامة الدليل عنده فهو جائز كذلك بالاتفاق، وموضع النظر هو العفو بعد الرفع الى الحاكم والثبوت عنده بالدليل وقبل اقامة الحد والتنفيذ بالفعل .. اذ وقع خلاف فى جواز العفو فى هذه الحالة.

وأرجح الأقوال أنه لا يجوز العفو.

وقد تقدم أن الحنفية يقولون أن المدعى اذا أتى فى هذه الحالة بما يبطل الدعوى كتمليك المسروق للسارق أو ابرائه منه يسقط‍ الحد لفوات شرط‍ الخصومة، والاسقاط‍ فى ذلك وارد فى الحقيقة على الدعوى والمخاصمة لا على الحد كما ذكر سابقا.

ولكن الأئمة الثلاثة قالوا ان تمليك المسروق من السارق بعد ثبوت الحد لا أثر له فى اسقاط‍ الحد لأن النبى صلّى الله عليه وسلم أقام الحد بالفعل على سارق بعد أن تصدق المسروق منه عليه بما سرق.

جاء فى المغنى لابن قدامة الحنبلى (١) أن السارق اذا ملك العين المسروقة بهبة أو بيع أو غيرهما من أسباب الملك. لم يخل من أن يملكها قبل رفعه الى الحاكم والمطالبة بها عنده أو بعد ذلك فان ملكها قبله لم يجب القطع لأن من شروطه المطالبة بالمسروق وبعد

زوال ملكه لا تصح المطالبة. وأن ملكها بعده لم يسقط‍ القطع وبهذا قال مالك والشافعى واسحاق.

وقال أصحاب الرأى يسقط‍ لأنها صارت ملكه فلا يقطع فى عين هى ملكه كما لو ملكها قبل المطالبة بها لأن المطالبة شرط‍ والشروط‍ يعتبر دوامها ولم يبق لهذه العين مطالب.

ولنا ما روى الزهرى عن ابن صفوان عن أبيه أنه نام فى المسجد وتوسد رداءه فأخذ من تحت رأسه فجاء بسارقه الى النبى صلّى الله عليه وسلّم فأمر به النبى أن يقطع. فقال صفوان يا رسول الله لم أرد هذا. ردائى عليه صدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهلا قبل أن تأتينى؟.

واذا أقر المسروق منه بملكية العين المسروقة للسارق سقط‍ الحد بالاجماع لانهيار جريمة السرقة حينئذ اذ قد وقع الأخذ على ملكه ولا عبرة بتناقض المدعى فى ادعائه السرقة ومطالبته بالحد قبل الاقرار لامكان التوفيق فى ذلك بأن يكون قد اشترى العين المسروقة من شخص ثم تبين أن هذا الشخص البائع كان قد اغتصبها من الشخص الذى اتهم بالسرقة ولم يكن مدعى السرقة يعلم بذلك ثم علم.

أما حد القذف فانه يجوز العفو فيه عند الشافعية والحنابلة ولو بعد الرفع الى الامام بل انه يجوز العفو عند الشافعية


(١) من المغنى لابن قدامة الحنبلى ومن الشرح الكبير ج ٨ ص ٢٦٩ الطبعة الاولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة ١٣٤٨ هـ‍.