للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو بعد الحكم وقبل التنفيذ بل فى أثناء التنفيذ اذا صدر العفو لا يكمل الحد لأنه خالص حق العبد أو حق العبد فيه غالب لأن سبب وجوب هذا الحد هو القذف والقذف جناية على عرض المقذوف بالتعرض له وعرضه حقه. والحد بدل حقه فله أن يعفو عنه بدليل أن بدل نفسه يقبل العفو وهو القصاص فى العمد والدية فى الخطأ.

واشتراط‍ الدعوى فيه يؤيد ذلك اذ الدعوى لا تشترط‍ فى حقوق الله تعالى.

وقال المالكية: لا يجوز العفو عن حد القذف الا أن يريد المقذوف الستر على نفسه.

وقد جاء فى المحلى لابن حزم الظاهرى أنه قد اختلف فى جواز عفو المقذوف عن القاذف فقال بعض الفقهاء انه يجوز وقال آخرون أنه لا يجوز ولا عفو فى ذلك لأحد لقول عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه:

لا عفو فى الحدود عن شئ منها بعد أن تبلغ الامام فان اقامتها من السنة.

وروى هذا عن الحسن البصرى وهو قول الأوزاعى.

وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز العفو عن الحد فى القذف.

وروى عن أبى يوسف فى أحد قوليه وعن الشافعى وأصحابه وابن حنبل وأصحابه أن العفو فى ذلك جائز قبل رفع الأمر الى الامام وبعد بلوغه اليه.

وقال مالك لا يجوز العفو عن حد القذف الا أن يريد المقذوف سترا على نفسه مخافة أن يثبت عليه ما رمى به.

ثم اختار ابن حزم أن حد القذف من حقوق الله تعالى لا مدخل للمقذوف فيه أصلا ولا عفو له (١).

بقى بعد ذلك الكلام عن أثر التقادم فى اسقاط‍ الحدود وهل تسقط‍ الحدود بالتقادم أو لا تسقط‍ وهو من صميم الحديث فى الاسقاط‍ غاية الامر أنه اسقاط‍ من جانب الشارع عند من يقول أن التقادم يسقط‍ الحد وليس اسقاطا من جانب الشارع عند من يقول أنه لا يسقطه.

جاء فى فتح القدير لكمال الدين بن الهملم فى فقه الحنفية (٢) الحاصل أن فى الشهادة بالحدود القديمة والاقرار بها أربعة مذاهب.

الأول: رد الشهادة بما عدا حد القذف من الحدود القديمة وعدم قبولها. وقبول الاقرار بتلك الحدود وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف.

الثانى: رد الشهادة بما عدا حد القذف من الحدود القديمة وقبول الاقرار بتلك الحدود عدا حد الشرب. وهو قول محمد ابن الحسن الشيبانى.


(١) المحلى لابن حزم الظاهرى ج ١١ ص ٢٨٨ الطبعة السابقة.
(٢) فتح القدير شرح الهداية وبهامشه العناية ج ٤ ص ١٦٢ الطبعة السابقة.