الثالث: قبول الشهادة والاقرار بجميع الحدود القديمة كالحدود الجديدة على السواء وهو قول الأئمة الثلاثة مالك والشافعى وأحمد.
الرابع: رد الشهادة والاقرار بجميع الحدود القديمة ونقل هذا عن ابن أبى ليلى.
ويتبين من هذا أن الأئمة الثلاثة مالكا والشافعى وأحمد يقولون أن التقادم لا أثر له بالنسبة للحدود القديمة كلها فلا يمنع قبول الشهادة عليها ولا قبول الاقرار بها وأن الشهادة على الجريمة القديمة كالشهادة على الجريمة الحديثة لا فرق بينهما وكذلك الاقرار بالجريمة القديمة كالأقرار بالجريمة الحديثة لا فرق بينهما ويحتجون على رأيهم بأمرين.
أحدهما: أن الشهادة على ما يوجب الحد والاقرار به كالشهادة على غيره من حقوق العباد والاقرار به سواء أكانت أموالا أم دماء. وبما أن التقادم لا يسقط العقوبة فى تلك الجرائم غير الحدود ولا يمنع سماع الشهادة فيها ولا قبول الاقرار بها فكذلك التقادم هنا فى الحدود لا يمنع قبول الشهادة والاقرار.
ثانيهما: أن أساس قبول الشهادة فى الحقوق هو الصدق والتأخير لا يؤثر فى صدق الشهادة ما دام الشهود عدولا لم تعلق بعدالتهم ريبة واحتمال الطعن أو التهمة مجرد افتراض لا يصح أن ترد به الشهادة فان رد شهادة العدل يجب أن يبنى على أمور متيقنة تقدح فى العدالة ولا يبنى على أمور غير متيقنة بل ولا مظنونة وانما هى مفترضة افتراضا.
ونوقش هذا الاستدلال أولا: بالمنع:
فأن الشخص لو أخر الشهادة فى حقوق العباد بعد طلب المدعى بلا عذر يعد فاسقا ولا تقبل شهادته من بعد .. وعلى فرض التسليم بأن التأخير لا يمنع من سماع الشهادة فى حقوق العباد - فان حقوق العباد لا تسقطها الشبهات ولا تؤثر فى وجوبها وثبوتها بخلاف الحدود فانها تدرأ بالشبهات عملا بقول النبى صلّى الله عليه وسلّم: أدرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم» ولذلك اذا تأخرت الشهادة فى السرقة سمعت بالنسبة لاثبات المال والضمان ولا تسمع بالنسبة لاقامة الحد. فلم تقبل الشهادة باثبات السرقة المتقادمة فى حق الحد لأنه حق الله والتقادم يمنع الشهادة به للتهمة والحد لا يثبت مع الشبهة وقبلت فى حق المال ويضمنه لعدم التهمة والمال يثبت مع الشبهة.
وكل ذلك بشرط ألا يدعى الشهود ويتأخروا من غير عذر والا فانهم لا شهادة لهم.
ونوقش ثانيا: بأن الحدود تقوم على أساس نفى التهمة لقطع الشبه المؤثرة فى اسقاط الحد بالحديث والتهمة هنا أثر خفى نفسى جاء من التأخير بدون عذر ولا سبب والامور الخفية النفسية لا يلغى اعتبارها فى الحدود .. ولانه لا اطلاع على