للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما فى النفس فأقيمت مدة التقادم مقام ذلك الأمر النفسى فى الدلالة.

وفى بيان ذلك يقول الزيلعى فى تبيين الحقائق (١) والحكم يدار على كونه حقا لله تعالى فلا تعتبر التهمة فى كل فرد من أفراده اذ التهمة أمر باطن لا يوقف عليه فيكتفى بالصورة لأن الحد يسقط‍ بصورة الشبهة كما يسقط‍ بمعناها.

أما رأى الأمامين أبى حنيفة وأبى يوسف فأنه يتكون من شقين.

الأول: عدم سماع الشهادة بالحدود القديمة.

والثانى: قبول الاقرار بتلك الحدود.

أما عن الشق الأول فان القول فيه مقصور على منع سماع الشهادة فى الزنى والشرب والسرقة بخلاف القذف لأنه حق العبد وأن كان لله تعالى حقا فيه كما سبق والحجة فى هذا الشق أن التأخير جعل الشاهد متهما. لأن الشاهد مأمور من قبل الشارع أمرا فوريا بأحد أمرين كلاهما حسبة لله تعالى عليه.

أولهما: أداء الشهادة لاقامة حد الله تعالى ومنع الفساد فى الأرض وتثبيت دعائم الدين والفضيلة.

وثانيهما الستر عملا بقوله صلّى الله عليه وسلم «من ستر على مسلم ستره الله فى الدنيا والآخرة» ولمنع أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا باعلان الخصومة لقوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ» (٢) وهو مخير بين هذين النظرين.

والواجب أن يختار فورا فأن تأخر بدون عذر حتى مضت مدة تقادمت فيها الجريمة ثم أقدم على الشهادة كان اقدامه مظنة عداوة تحركت أو حقد طرأ فصار متهما.

ويؤثر عن الخليفة عمر فى ذلك فيما رواه عنه الامام محمد «أيما شهود شهدوا على حد لم يشهدوا عند حضرته فأنما شهدوا على ضغن فلا شهادة لهم» واذا كان الشهود قد صاروا بالتأخير متهمين على هذا النحو فأن شهادتهم تكون مردودة ولا تقبل لقول النبى صلى الله عليه وسلم لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين أى متهم ومن ثم كان التقادم فى الحدود مانعا من سماع الشهادة فيها.

أما الاقرار فى هذه الحدود الثلاثة فأنه يقبل ويثبت ويقام به الحد عند الشيخين لأن الاقرار تنتفى فيه تهمة الضغن لأنه يخبر عن نفسه والذى يخبر عن نفسه لا يتهم فى قوله خصوصا اذا كان قوله هذا يؤدى الى تلك العقوبة القاسية فمظنة أثارة الأمر للتهمة منتفية. ويستوى فى ذلك الاقرار بالزنى أو السرقة أو الشرب.


(١) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي وحاشية الشلبى عليه ج ٣ ص ١٨٨ طبع المطبعة الكبرى الأميرية بمصر سنة ١٣١٣ هـ‍.
(٢) الاية رقم ١٩ من سورة النور.