دعواه على ما عليه الفتوى قطعا للأطماع الفاسدة. ولم يقيدوا فى ذلك بمدة.
وقد أفتى البعض فيمن له بيت يسكنه مدة تزيد على ثلاث سنين ويتصرف فيه هدما أو عمارة مع اطلاع جاره على ذلك بأنه لا تسمع دعوى الجار عليه البيت أو بعضه على ما عليه الفتوى ..
وظاهر مما ذكر - أن الحق نفسه لا يسقط بمضى المدة مطلقا طالت المدة أو قصرت. وان من عليه الحق يجب أن يؤديه الى صاحبه فيما بينه وبين الله تعالى اذا كان فى ذمته ومقرا به. وان الأمر كله يتعلق بحق المطالبة بهذا الحق ورفع الدعوى به أمام القضاء.
وجملة القول فى ذلك: أولا: اذا أمر السلطان قضاته بعدم سماع الدعوى التى مضى عليها خمس عشرة سنة بأن يضمن قانونا للمحاكم هذا النهى - بما له من الحق فى ذلك بناء على قاعدة تخصيص القضاء بالزمان والمكان والخصومة.
فانه يجب عليهم شرعا أن يمتثلوا هذا الأمر ولا يحق لهم أن يسمعوا هذه الدعاوى ولا شيئا منها بصفتهم قضاة الا بأمر من السلطان يصدر اليهم بالسماع - ويعتبرون معزولين بالنسبة لما صدر النهى عن سماعه ولا يسقط الحق نفسه بهذا النهى، ولذلك يجب على من عليه الحق أن يؤديه لصاحبه فيما بينه وبين الله تعالى:
ويجب على السلطان أن يسمع هذه الدعاوى بنفسه، أو يأمر من يسمعها، لئلا يضيع الحق على صاحبه.
والسبب فى صدور مثل هذا النهى هو القضاء على الحيل وقطع دابر التزوير، لأن الظاهر يكذب مثل هذه الدعوى ويوحى بأنها لا تقوم على أساس من الحق فليس من المعتاد أن يسكت صاحب حق عن المطالبة بحقه مدة كهذه بدون عذر.
واستثنوا من ذلك الوقف والارث ومال اليتيم والغائب لطبيعة هذه الدعاوى وظروفها فلا يكفى مضى هذه المدة للنهى عن سماعها.
ثانيا: بالنسبة للوقف والارث ولما استثنى من النهى السلطانى المذكور - وفى حالة ما اذا لم يصدر نهى من ولى الأمر مطلقا. ومضت مدة طويلة تحمل على الاعتقاد بعدم أحقية الدعوى بعدها وتوحى بتكذيب الظاهر لها لا يجوز سماع أى دعوى بأى حق بعد مضى تلك المدة الطويلة.
وقد اختلف الفقهاء فى تقدير هذه المدة. فقدرها بعضهم بثلاثين سنة.
وقدرها بعض آخر بثلاث وثلاثين سنة.
وقدرها بعض ثالث بست وثلاثين سنة والأكثرون على التقدير الوسط - وهو ثلاث وثلاثون سنة.
وعدم سماع الدعوى بعد مضى هذه المدة بناء على آراء الفقهاء واجتهادهم لا على النهى السلطانى.
والأساس فى هذا وذاك هو القضاء على التزوير وقطع دابر الاحتيال والفساد