واختاره التونسى اذا كان ذلك بوثيقة مكتوبة هى فى يد الطالب والطلب بسببها، لأن بقاءها بيد ربها دليل على أنه لم يقبض دينه. اذ العادة اذا قبض دينه أخذ عقده أو مزقه بخلاف ما اذا كانت الديون بغير عقود ولو وجدت بغير المطلوب والا ففيها قولان حكاهما ابن رشد.
وظاهر مما ذكر أن المالكية يفرقون بين الأعيان والديون ففى الأعيان يجعلون الحيازة مانعة من سماع الدعوى ويجعلون الحيازة أقساما أقواها ما بين الأجانب بغير الشركاء ثم الأجانب فيما هو شركة بينهما ثم الأقارب فى الحالين ثم الموالى والأختان فيهما وأضعفها ما بين الأب وابنه ويجعلون للحيازة مظاهر وأمارات أقواها الهدم والبناء وأضعفها السكنى والازدراع ويجعلون لها مدة أقلها عشر سنين وقد تمتد الى أربعين سنة أو تزيد.
والحيازة فى العقار بين الأجانب الذين لا شركة بينهم تكون بالبناء والهدم وغيرهما ومدتها عشر سنين وتمنع من سماع الدعوى بشروط.
منها جهل أصل الحيازة وأن يكون المدعى حاضرا وعالما بملكيته للعين المحوزة ويسكت عن المطالبة فى المدة وألا يكون له عذر ولا مانع يمنعه من المطالبة والمراد بعدم سماع الدعوى عدم ترتب أثرها عليها لعدم توجيه اليمين للمدعى عليه وترجيح جانبه فى الملكية وهم يقولون ان الحيازة لا تسقط الملك وانما هى دليل على الملك كالشهادة. وفى مدة الحيازة وما تكون به بالنسبة لأقسامها المختلفة أقوال وتفصيلات طويلة.
أما فى الديون فقد نقل عن ابن رشد أنها متى ثبتت وتقررت لا يسقط حق طلبها بمضى المدة طالت أو قصرت وسواء أكانت ثابتة بوثيقة أو حكم أو بغيرهما.
واختار التونسى ذلك فى الديون الثابتة بوثيقة أو حكم اذا كان السند باقيا بيد الطالب جريا على العرف من أنه اذا دفع الدين للدائن يؤخذ منه السند أو يمزق.
والمعروف فى المذهب والذى جرى عليه الأكثرون أن مضى المدة يمنع من الطلب على معنى أن المدعى عليه يعتبر بريئا ومؤديا للدين ما لم يقم دليل على غير ذلك ويستوى أن تكون الديون ثابتة بوثيقة أو بحكم أو بغير ذلك.
واختلف فى تقدير المدة عشرين أو ثلاثين سنة وأحسن ما قيل التفويض فيها الى رأى القاضى، لأن ذلك يختلف باختلاف الناس وأحوالهم فى الطلب والظروف التى تحيط بهم والصلات التى تربطهم وما يطرأ على هذه الصلات من عوامل تؤثر فيها بالقوة والضعف.