للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجواب فيه يختلف باختلاف العادة، فان كان فى موضع جرت العادة بذلك فله ذلك والا فلا.

وانما لم يكن له أن يقعد فيه من يضر بالبناء ويوهنه من القصار والحداد والطحان، لأن ذلك اتلاف العين، وأنه لم يدخل تحت العقد اذ الاجارة بيع المنفعة لا بيع العين ولأن مطلق العقد ينصرف الى المعتاد.

ثم قال (١): ولو أن شخصا أجر داره على أن يسكنها شهرا، ثم يسلمها الى المستأجر، فالاجارة فاسدة، لأن هذا شرط‍ لا يقتضيه العقد، ولأنه شرط‍ لا يلائم العقد، ولا بد فى ركن عقد الاجارة من أن يكون خاليا عن شرط‍ لا يقتضيه العقد ولا يلائمه، هذا وزيادة منفعة مشروطة فى العقد لا يقابلها عوض فى معاوضة المال يكون ربا أو فيها شبهة الربا، وكل ذلك مفسد للعقد.

وقد ذكر فى الأصل أنه اذا استأجر شخص دارا معلومة بأجرة مسماة على أن لا يسكنها، فالاجارة فاسدة، ولا أجرة على المستأجر اذا لم يسكنها، وان سكنها فعليه أجر مثلها لا ينقص مما سمى.

أما فساد العقد، فلأن شرطه أن لا يسكن انما هو نفى موجب العقد - وهو الانتفاع بالعقود عليه، ثم أنه شرط‍ يخالف مقتضى العقد ولا يلائم العقد، فكان شرطا فاسدا.

وأما عدم وجوب الأجر رأسا ان لم يسكن ووجوب أجر المثل أن سكن، فلأن أجر المثل فى الاجارات الفاسدة انما يجب باستيفاء المعقود عليه لا بنفس التسليم وهو التخلية كما فى النكاح الفاسد، لأن التخلية هى التمكين ولا يتحقق مع الفساد، لوجود المانع من الانتفاع به شرعا فأشبه المنع الحسى من العباد وهو الغصب، بخلاف الاجارة الصحيحة، لأنه لا مانع هناك فتحقق التسليم، فلئن لم ينتفع به المستأجر فقد أسقط‍ حق نفسه فى المنفعة فلا يسقط‍ حق الآجر فى الأجرة، واذا سكن فقد استوفى المعقود عليه بعقد فاسد، ومثله يوجب أجر المثل.

ومن استأجر دارا لم يرها، ثم رآها فلم يرض بها فله ردها، لأن الاجارة بيع المنفعة فيثبت فيها خيار الرؤية كما فى بيع العين فان رضى بها بطل خياره كما فى بيع العين.

ومن استأجر (٢) دارا يسكنها فانهدم بعض بناء الدار فالمستأجر بالخيار ان شاء مضى على الاجارة وان شاء فسخ، لأنه اذا حدث بالعين المستأجرة عيب يخل بالانتفاع بها لم يبق العقد لازما، بخلاف البيع اذا حدث بالمبيع عيب بعد القبض انه ليس للمشترى أن يرده، لأن الاجارة بيع المنفعة والمنافع تحدث شيئا فشيئا، فكان كل جزء من أجزاء


(١) المرجع السابق للكاسانى ج ٤ ص ١٩٤، ١٩٥ الطبعة السابقة
(٢) البدائع للكاسانى ج ٤ ص ١٩٥، ١٩٦ الطبعة السابقة.