ومنها أن يكون موجودا من وقت العقد الى وقت الاجل فان لم يكن موجودا عند العقد أو عند محل الأجل أو كان موجودا فيهما لكنه انقطع من أيدى الناس فيما بين ذلك كالثمار والفواكه واللبن وأشباه ذلك لا يجوز السلم، لأن القدرة على التسليم ثابتة للحال وفى وجودها عند المحل شك، لاحتمال الهلاك، فان بقى حيا الى المحل ثبتت القدرة وان هلك قبل ذلك لا تثبت، والقدرة لم تكن ثابتة فوقع الشك فى ثبوتها، فلا تثبت مع الشك، ولو كان موجودا عند العقد ودام وجوده الى محل الاجل فحل الاجل ولم يقبضه حتى انقطع عن أيدى الناس، لا ينفسخ السلم، بل هو على حاله صحيح، لان السلم وقع صحيحا، لثبوت القدرة على التسليم، لكون المسلم فيه موجودا وقت العقد، ودام وجوده الى محل الأجل، الا أنه عجز عن التسليم للحال، لعارض الانقطاع مع عرضية حدوث القدرة ظاهرا بالوجود، فكان فى بقاء العقد فائدة، والعقد اذا انعقد صحيحا يبقى لفائدة محتملة الوجود والعدم على السواء كبيع الآبق اذا أبق قبل القبض فلأن يبقى لفائدة عود القدرة فى الثانى ظاهرا أولى لكن يثبت الخيار لرب السلم ان شاء فسخ العقد وان شاء انتظر وجوده لأن الانقطاع قبل القبض بمنزلة تغير المعقود عليه قبل القبض، وأنه يوجب الخيار.
ولو أسلم فى حنطة حديثة قبل حدوثها لا يصح عندنا، لأنه أسلم فى المنقطع.
وعلى هذا يخرج ما اذا أسلم فى حنطة موضع أنه ان كان مما لا يتوهم انقطاع طعامه جاز السلم فيه كما اذا اسلم فى حنطة خراسان أو العراق أو فرغانة، لأن كل واحد منها اسم لولاية فلا يتوهم انقطاع طعامها، وكذا اذا أسلم فى طعام بلدة كبيرة كسمرقند أو بخارى أو كاشان جاز، لأنه لا ينفذ طعام هذه البلاد الا على سبيل الندرة والنادر ملحق بالعدم. وقد روى أن زيد بن شعبة لما أراد أن يسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أسلم اليك فى تمر نخلة بعينها؟ فقال: النبى صلّى الله عليه وسلم: أما فى تمر نخلة بعينها فلا (١).
ومنها: أن يكون مما يتعين بالتعيين فان كان مما لا يتعين بالتعيين كالدراهم والدنانير فانه لا يجوز السلم فيه، لأن المسلم فيه مبيع لما روينا أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عند الانسان ورخص فى السلم. سمى السلم بيعا فكان المسلم فيه مبيعا، والمبيع مما يتعين بالتعيين والدراهم والدنانير لا تتعين فى عقود المعاوضات فلم تكن مبيعة فلا يجوز السلم فيها.