ومجاهد وداود بن على وابنه أبو بكر: هو على الوجوب.
ومن أشدهم فى ذلك عطاء. قال: أشهد اذا بعت واذا اشتريت ولو دسنجة بقل (أى حزمة بقل).
وممن كان يذهب الى هذا ويرجحه الطبرى.
وقال: لا يحل لمسلم اذا باع واذا اشترى الا أن يشهد والا كان مخالفا كتاب الله عز وجل، وكذلك اذا كان الى أجل فعليه أن يكتب ويشهد ان وجد كاتبا.
وذهب الشعبى والحسن الى أن ذلك على الندب والارشاد لا الحتم.
ويحكى أن هذا قول مالك والشافعى وأصحاب الرأى.
وقال الامام محمد بن عطية: والوجوب فى ذلك قلق.
أما فى الدقائق فصعب شاق.
وأما ما كثر فربما يقصد التاجر الاستئلاف بترك الاشهاد.
وقد يكون عادة فى بعض البلاد.
وقد يستحى من العالم والرجل الموقر، فلا يشهد عليه، فيدخل ذلك كله فى الائتمان، ويبقى الامر بالاشهاد ندبا، لما فيه من المصلحة فى الأغلب ما لم يقع عذر يمنع منه.
وقد حكى عن جماعة أنهم قالوا: ان قوله تعالى «فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ» ناسخ لما قبله، ولكن هذا ليس بشئ، لأنه لا تعارض بين هذا وما قبله، اذ أن هذا حكم من لم يجد كاتبا فهو غير الحكم السابق ..
على أنه لم يثبت أن هذا جاء متأخرا عن ذاك، بل قد وردا معا. ولا يرد الناسخ والمنسوخ معا.
وقد روى عن ابن عباس أنه لما قيل له: ان آية الدين منسوخة: قال: لا والله ان آية الدين محكمة ليس فيها نسخ - والاشهاد انما جعل للطمأنينة. وذلك أن الله تعالى جعل لتوثيق الدين طرقا منها الكتابة ومنها الرهن ومنها الاشهاد.
ولا خلاف بين علماء الامصار. ان الرهن مشروع بطريق الندب لا بطريق الوجوب فيعلم من ذلك مثله فى الاشهاد.
وقال القرطبى (١): وهذا كله استدلال حسن على أن الامر للندب وليس للوجوب.
وأحسن منه ما جاء من صريح السنة فى ترك الاشهاد. وهو ما أخرجه الدارقطنى عن
(١) الجامع لأحكام القرآن لأبى عبد الله محمد ابن أحمد الانصارى القرطبى ج ٣ ص ٣٩٨ طبع مطبعة دار الكتب المصرية سنة ١٣٥٣ هـ، سنة ١٩٣٥ م الطبعة الثانية.