طارق بن عبد الله المحاربى قال:«أقبلنا فى ركب من الربذة وجنوب الربذة حتى نزلنا قريبا من المدينة ومعنا ظعينة لنا فبينا نحن قعود اذ أتانا رجل عليه ثوبان أبيضان فسلم فرددنا عليه. فقال: من أين أقبل القوم؟ فقلنا من الربذة وجنوب الربذة قال:
ومعنا جمل أحمر فقال تبيعونى جملكم هذا؟ فقلنا: نعم. قال بكم؟ قلنا: بكذا وكذا صاعا من تمر. قال فما استوضعنا شيئا وقال:
قد أخذته ثم أخذ برأس الجمل حتى دخل المدينة فتوارى عنا فتلاومنا بيننا وقلنا: أعطيتم جملكم من لا تعرفونه فقالت الظعينة: لا تلاوموا فقد رأيت وجه رجل ما كان ليخفركم ما رأيت وجه رجل أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه. فلما كان العشاء أتانا رجل فقال: السّلام عليكم. أنا رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اليكم وانه يأمركم أن تأكلوا من هذا حتى تشبعوا وتكتالوا حتى تستوفوا قال: فأكلنا حتى شبعنا وأكتلنا حتى استوفينا. وليس فى القصة أن النبى صلّى الله عليه وسلّم أشهد، ولو كان واجبا ما تركه.
وذكر الزهرى حديثا عن عمارة بن خزيمة أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أن النبى صلّى الله عليه وسلم ابتاع فرسا من أعرابى، وفى الحديث. فطفق الاعرابى يقول: هلم شاهدا يشهد أنى بعتك قال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك قد بعته. فأقبل النبى صلّى الله عليه وسلّم على خزيمة فقال بم تشهد.؟ فقال خزيمة: بتصديقك يا رسول الله. قال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين أخرجه النسائى وغيره.
ثم قال القرطبى: اعلم أن الذى أمر الله تعالى به من الشهادة والكتابة لمراعاة صلاح ذات البين، ونفى التنازع المؤدى الى فساد ذات البين، لئلا يسول له الشيطان جحود الحق وتجاوز ما حد له الشرع أو ترك الاقتصار على المقدار المستحق.
ولأجله حرم الشارع البياعات المجهولة التى اعتيادها يؤدى الى الاختلاف وفساد ذات البين وايقاع التضاغن والتباين.
فمن ذلك ما حرمه الله من الميسر والقمار وشرب الخمر بقوله تعالى «إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» فمن تأدب بأدب الله فى أوامره وزواجره حاز صلاح الدنيا والدين.
قال تعالى «وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنّا أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً»}.
وجاء فى تفسير أحكام القرآن لأبى بكر الجصاص الحنفى فى تفسير هذه الآية ما يأتى:
يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه قال أبو بكر: ذهب قوم الى أن الكتاب والاشهاد على الديون