ولو كانت الصحابة والتابعون تشهد على بياعاتها وأشريتها لورد النقل به متواترا مستفيضا، ولأنكرت على تاركه ترك الاشهاد فلما لم ينقل عنهم الاشهاد بالنقل المستفيض ولا اظهار النكير على تاركه من العامة ثبت بذلك أن الكتاب والاشهاد فى الديون والبياعات غير واجبين.
وقوله تعالى:«إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» ينتظم سائر عقود المدايناب التى يصح فيها الآجال ولا دلالة فيه على جواز التأجيل فى سائر الديون، لأن الآية ليس فيها بيان جواز التأجيل فى سائر الديون وانما فيها الأمر بالاشهاد اذا كان دينا مؤجلا .. ثم يحتاج أن يعلم بدلالة أخرى جواز التأجيل فى الدين وامتناعه.
وانما فى الآية الأمر بالاشهاد اذا صح الدين والتأجيل.
وليس فى الآية دلالة على جواز التأجيل فى القرض، لأن قوله تعالى: {(إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ)} يدخل فيه عقد المداينة، وليس القرض بعقد مداينة اذ لا يصير دينا بالعقد دون القبض فوجب أن يكون القرض خارجا منه.
ثم قال الجصاص: ان قوله تعالى: «إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» وقد اشتمل على كل دين ثابت مؤجل سواء كان بدله عينا أو دينا، فمن اشترى دارا أو عبدا بألف درهم الى أجل كان مأمورا بالكتاب والاشهاد بالآية.
وقد دلت الآية على أنها مقصورة فى دين مؤجل فى أحد البدلين لا فيهما جميعا لأنه قال {(إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ)} ولم يقل بدينين، فأثبت الأجل فى أحد البدلين فلا يجوز وجود الأجل فيهما معا. وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الدين بالدين.
وأما اذا كانا دينين بالعقد فهو جائز فى السلم. الا أنه مقصور على المجلس.
والآية تشمل السلم كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما اذ أخبر أن السلم المؤجل مما انطوى تحت عموم الآية.
وعلى هذا فكل دين ثابت مؤجل فهو مراد بالآية سواء كان من أبدال المنافع أو الأعيان نحو الأجرة المؤجلة فى عقود الاجارات، والمهر اذا كان مؤجلا، وكذلك الخلع والصلح من دم العمد والكتابة المؤجلة، لأن هذه ديون مؤجلة ثابتة بعقد مداينة.
فكل عقد انتظمته الآية فهو العقد الذى ثبت به دين مؤجل، ولم تفرق بين أن يكون ذلك الدين بدلا من منافع أو أعيان، فوجب أن يكون جميع المندوب اليه من الكتاب والاشهاد مرادا بها هذه العقود كلها، وأن يكون ما ذكر من عدد الشهود وأوصاف الشهادة معتبرا فى سائرها، اذ ليس فى اللفظ تخصيص شئ منه دون غيره.