وقال الشافعى: لا تجوز شهادة النساء مع الرجال فى غير الأموال. ولا تجوز فى الوصية الا الرجل وتجوز فى الوصية بالمال.
وقال الجصاص ان ظاهر الآية يقتضى جواز شهادتهن مع الرجال فى سائر عقود المداينات وهى كل عقد واقع على دين سواء كان بدله مالا أو بضعا أو منافع أو دم عمد لأنه عقد فيه دين، اذ المراد وجود دين فى العقد عن بدل أى دين كان. فاقتضى ذلك جواز شهادة النساء مع الرجل على عقد نكاح فيه مهر مؤجل اذا كان ذلك عقد مداينة، وكذلك الصلح عن دم العمد والخلع على مال والاجارات. فمن ادعى خروج شئ من هذه العقود من ظاهر الآية لم يسلم له ذلك الا بدلالة اذا كان العموم مقتضيا لجوازها فى الجميع.
قوله تعالى «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» قال الجصاص: لما كانت ديانات الناس وأمانتهم وعدالتهم انما هى من طريق الظاهر دون الحقيقة، اذ لا يعلم الضمائر وخبايا الأمور غير الله تعالى.
ولذلك قال ممن ترضون من الشهداء فدل ذلك على أن أمر تعديل الشهود ومعرفة حالهم أمر موكول الى الاجتهاد وغالب الظن فى عدالتهم وصلاح طرائقهم.
وذلك يختلف باختلاف الأشخاص.
والمعتبر غالب الظن لا اليقين والعلم.
والذى بنى عليه أمر الشهادة ثلاثة أشياء.
أحدها: العدالة.
والثانى: نفى التهمة.
والثالث: التيقظ والحفظ وقلة الغفلة.
أما العدالة فأصلها الايمان، واجتناب الكبائر، ومراعاة حقوق الله عز وجل فى الواجبات والمسنونات، وصدق اللهجة والأمانة، وألا يكون محدودا فى قذف.
وأما نفى التهمة فأن لا يكون المشهود له والدا ولا ولدا ولا زوجا ولا زوجة، وألا يكون قد شهد بهذه الشهادة فردت لتهمة .. فشهادة هؤلاء غير مقبولة لمن ذكرنا وان كانوا عدولا مرضيين.
وأما التيقظ والحفظ وقلة الغفلة فان لا يكون مغفلا غير مجرب للأمور، فان مثله ربما لقن الشئ فتلقنه وربما جوز عليه التزوير فشهد به.
فمن شرط الرضا للشهادة أن يكون الشاهد متيقظا حافظا لما يسمعه متقنا لما يؤديه.
ثم استطرد الجصاص الى ذكر أوصاف الشهود وما ينبغى أن يتوفر فى الشاهد.
وبين آراء الفقهاء واختلاف الأئمة فى ذلك، ثم عرض للأخذ بالشاهد واليمين، وذكر اختلاف الفقهاء فى ذلك وآراءهم والاستدلال لهم.
قوله تعالى: «وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ}