للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صغيرا أو كبيرا الى أجله، أى لا تملوا ولا تضجروا أن تكتبوا القليل الذى جرت العادة بتأجيله، والكثير الذى ندب فيه الكتابة والاشهاد.

فأبان أن حكم القليل المتعارف فيه التأجيل كحكم الكثير فيما ندب اليه من الكتابة والاشهاد.

قوله تعالى: «ذلِكُمْ أَقْسَطُ‍ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاّ تَرْتابُوا» فيه بيان أن الغرض الذى من أجله أمر الله بالكتابة والاشهاد فى عقود المداينات هو التوثق والاحتياط‍ للمتداينين عند التجاحد والاختلاف. فان ذلك أقسط‍ وأعدل عند الله وأولى أن لا يقع فيه بينهم التظالم. وأنه مع ذلك أثبت للشهادة وأوضح مما لو لم تكتب وأقرب الى نفى الريبة والشك فيها.

فأبان الله جل وعلا أنه أمر بالكتابة والاشهاد، احتياطا لنا فى ديننا ودنيانا، ودفعا للتظالم والتجاحد فيما بيننا.

وأخبر سبحانه أن فى الكتابة من الاحتياط‍ للشهادة ما نفى عنها الريب والشك، وأعدل عند الله من أن لا يكون مكتوبا فيرتاب الشاهد ويتحير أيقيم الشهادة على ما عنده من شك فيقدم على محظور أو لا يقيمها فيضيع حق الطالب.

قوله تعالى: «إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاّ تَكْتُبُوها} (١)» يعنى البياعات التى يستحق كل واحد من الطرفين على صاحبه فيها تسليم ما عقد عليه من جهته بلا تأجيل. فأباح ترك الكتابة فيها.

وذلك توسعة منه جل وعز لعباده ورحمة بهم، لئلا يضيق عليهم أمر تبايعهم فى المأكول والمشروب والأقوات التى حاجتهم اليها ماسة فى أكثر الأوقات.

وقوله تعالى: «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» يقتضى عمومه الاشهاد على سائر عقود البياعات بالأثمان الآجلة والعاجلة.

وانما خص التجارات الحاضرة غير المؤجلة باباحة ترك الكتابة فيها.

فأما الاشهاد فهو مندوب اليه فى جميعها الا النزر اليسير الذى لم تجر العادة بالتوثق فيه بالاشهاد، نحو شراء الخبز والبقل والماء وما جرى مجرى ذلك.

وفى شراء مثل هذه الأمور والتبايع فيها بدون اشهاد فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ومن بعدهم دليل على أن الأمر بالاشهاد وان كان ندبا وارشادا، الا أنه انما يكون فى البياعات المعقودة على ما يخشى فيه التجاحد من الأثمان الخطيرة والأبدال


(١) الآية رقم ٢٨٢ من سورة البقرة.