وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك: شهادته مقبولة ما لم يحد.
وهذا يقتضى قولهم أنه غير موسوم بسمة الفسق ما لم يقع به الحد والا لما قبلت شهادته، ولأن قوله تعالى «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ» يقتضى توفر شرطين لبطلان شهادة القاذف.
أحدهما الرمى بالزنا.
والأخر عدم الاتيان بالشهود على زنا المقذوف متراخيا عن القذف وفوات الشهادة عليه.
فما دامت اقامة الشهادة عليه بالزنا ممكنة بخصومة القاذف، فان لفظ الآية يقتضى بقاء الوضع على ما كان عليه غير محكوم عليه ببطلان الشهادة.
أما شهادة المحدود فى القذف بعد التوبة فقال أبو حنيفة وأصحابه والحسن ابن صالح والثورى لا تقبل شهادته اذا تاب وتقبل شهادة المحدود فى غير القذف اذا تاب.
وقال مالك وعثمان البتى والليث والشافعى تقبل شهادة المحدود فى القذف اذا تاب.
وقال الأوزاعى لا تقبل شهادة محدود فى الاسلام.
وقد روى عن ابن عباس فى قوله تعالى «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» ثم استثنى فقال: «إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا» فتاب عليهم من الفسق وأما الشهادة فلا تجوز
وروى عنه «إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا» فمن تاب وأصلح فشهادته فى كتاب الله مقبولة
وحمل الأول على ما اذا جلد ثم تاب.
والثانى على ما اذا تاب قبل الجلد.
فحكم الاستثناء مقصور على ما يليه من زوال سمة الفسق ولا يرجع الى ما تقدمه الا بدليل.
وما ورد فى بعض الآيات من رجوع الاستثناء الى كل ما سبقه من الجمل قام فيه دليل على ذلك. وعند عدم الدليل يقتصر على ما يليه.
وقد اقتضت هذه الآية أن يكون شهود الزنا أربعة وأن يمتنع جواز الاقتصار على أقل من هذا العدد.
وقد اختلف الفقهاء فيما اذا جاء القاذف بأربعة شهداء فساق فشهدوا على المقذوف بالزنا.