للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا تقبل شهادة العدو على عدوه لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذى أحنة وذو الاحنة هو العدو ولأنه متهم فى شهادته بسبب منهى عنه، فلم تقبل شهادته.

ومن ردت شهادته (١) بمعصية فتاب قبلت شهادته، لقول الله تبارك وتعالى:

«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ، ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ ٢ تابُوا»}.

والتوبة توبتان، توبة فى الباطن، وتوبة فى الظاهر.

فأما التوبة فى الباطن فهى ما بينه وبين الله عز وجل فينظر فى المعصية فان لم يتعلق بها مظلمة لآدمى ولا حد لله تعالى كالاستمتاع بالأجنبية فيما دون الفرج منها فالتوبة منها أن يقلع عنها ويندم على ما فعل ويعزم على أن لا يعود الى مثلها والدليل عليه قول الله عز وجل «وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ» (٣).

فان تعلق بها حق آدمى فالتوبة منها أن يقلع عنها ويندم على ما فعل ويعزم على أن لا يعود الى مثلها وأن يبرأ من حق الآدمى أما أن يؤديه أو يسأله حتى يبرئه منه، لما روى ابراهيم النخعى أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه رأى رجلا يصلى مع النساء فضربه بالدرة، فقال الرجل والله لئن كنت أحسنت فقد ظلمتنى، وان كنت أسأت فما علمتنى، فقال عمر اقتص قال: لا أقتص، قال فاعف قال لا أعفو فافترقا على ذلك ثم لقيه عمر من الغد فتغير لون عمر، فقال له الرجل يا أمير المؤمنين أرى ما كان منى قد أسرع فيك قال أجل قال فأشهد أنى قد عفوت عنك.

وان لم يقدر على صاحب الحق نوى أنه ان قدر أوفاه حقه وان تعلق بالمعصية حد لله تعالى كحد الزنا والشرب.

فان لم يظهر ذلك، فالأولى أن يستره على نفسه، لقوله عليه الصلاة والسّلام


(١) انظر كتاب المهذب فى فقه الامام الشافعى رضى الله تعالى عنه للشيخ الامام الزاهد الموفق أبى العباس ابراهيم بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى وقد وضع بأسفل النظم المستعذب شرح غريب المهذب للعلامة محمد بن أحمد ج‍ ٢ ص ٣٣٠، ٣٣١، ٣٣٢ الطبعة السابقة.
(٢) الآية رقم ٤ من سورة النور.
(٣) الآية رقم ١٣٥ من سورة آل عمران.