للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويحرم عنهما وليهما، هذا هو مذهب المدونة وهو المشهور فى المذهب وفى الموازية لا يحج بالرضيع وأما ابن أربع أو خمس فنعم، قال اللخمى، وعلى قوله هذا فلا يحج بالمجنون المطبق. وقول الباجى رحمه الله تعالى: عدم العقل يمنع صحة الحج خلاف النص وذكر ابن عبد السلام رحمه الله تعالى أنه وقع فى كلام بعض شارحى الموطأ من المتأخرين أن الحج لا يصح من المجنون. ولا فرضا وهو خلاف نص المدونة (١). قال الخطاب: ويحرم الولى عن المجنون المطبق قرب الحرم ويجرده كما قال فى المدونة والمجنون فى جميع أموره كالصبى.

أما اذا كان الجنون يجئ أحيانا ويفيق أحيانا فانه ينتظر به حال افاقته فان علم بالعادة فانه لا يفيق حتى ينقض الحج صار كالأول.

اما المغمى عليه فلا يحرم عنه وليه يريد ولا غير وليه فلو أحرم عنه أحد لم يصح احرامه عنه والفرق بينه وبين المجنون المطيق أن الاغماء مرض يترقب زواله بالقرب غالبا بخلاف المجنون فانه شبيه بالصبى لدوامه، وصح الاحرام عن الصبى لأنه يتبع غيره فى أصل الدين.

وسواء أرادوا أن يحرموا عن المغمى عليه بفريضة أو نافلة وسواء خافوا أن يفوته الحج أم لا كما يفهم ذلك من كلام صاحب الطراز وكما يفهم من كلام المدونة ولم أحرم الولى من المجنون المطبق ثم أفاق بعد احرام وليه عنه فالظاهر أن احرام الولى يلزمه وليس له أن يرفضه ويجدد احراما بالفرض، قال البساطى رحمه الله تعالى ولا يجب على صبى ولا مجنون ولا معتوه قال الحطاب رحمه الله تعالى: ان كان مراده بالمعتوه المجنون لا يصح عطفه عليه، وان كان مراده به ضعيف العقل كما هو الغالب فى استعمالهم فالظاهر أن الحج لا يسقط‍ عنه (٢).

ومن أركان الحج الوقوف بعرفة ومن أغمى عليه قبل الزوال وكان أحرم قبل ذلك بالحج فوقف به أصحابه فانه يجزيه عند ابن القاسم رحمه الله تعالى، قال سند لأن الاغماء لا يبطل الاحرام وقد دخل فى نية الاحرام.

وان كان الاغماء بعد الزوال أجزأه من باب الأولى، ولا بد من أن يقف به أصحابه جزءا من الليل ولو دفعوا به قبل الغروب لم يجزه عند مالك، قال فى الطراز وهو ظاهر، على ما ذكر سابقا، قال سند رحمه الله تعالى: ولو قدم عرفات وهو نائم فى محمله وأقام فى نومه حتى دفع الناس وهو معهم أجزأه وقوفه للمعنى الذى ذكرناه فى المغمى عليه، ومن شرب سكرا حتى غاب عقله اختيارا أو بشئ أكله من غير علم أو أطعمه أحد ما أسكره وفاته الوقوف لم أر فيه نصا والظاهر أنه ان لم يكن له فى ذلك اختيار فهو كالمغمى عليه والمجنون، وان كان باختياره فلا يجزئه كالجاهل بل هو أولى (٣).

ولا ينعقد طلاق من زال عقله بجنون أو اغماء أو نحو ذلك من نوم أو غيره مما يذهب الاستشعار.

قال ابن عرفة رحمه الله تعالى طلاق فاقد العقل ولو بنوم لغو، قال اللخمى رحمه الله تعالى: والمعتوه كالمجنون.

ولو طلق المريض وقد ذهب عقله من المرض فأنكر ذلك وقال لم أعقل حلف ولا شئ عليه قاله مالك رحمه الله تعالى فى الموازية، وكذا نقله عنه فى العتبية، وقال ابن عرفة قال ابن رشد رحمهما الله تعالى: انما ذلك أن شهد


(١) المرجع السابق ج‍ ٢ ص ٤٨٠، ص ٤٨١ نفس الطبعة.
(٢) المرجع السابق ج‍ ٣ ص ٩٥ نفس الطبعة.
(٣) التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق ص ٤٣ الطبعة السابقة.