للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يصح له أن يقم عنده الدليل على صحته.

والسؤال عن الحكم فى أمر القاضى اذا كان ملتزما للمذهب المالكى.

وليس فى نظره من نال درجة الفتوى ولا هو فى نفسه أهل لذلك.

ثم قال (١): قال ابن برهان تقليد الصحابة يتخرج على جواز الانتقال فى المذاهب فمن منعه لأن مذاهب الصحابة لم تكثر فروعها حتى يمكن المقلد الاكتفاء به طول عمره انتهى باختصار وأكثره باللفظ‍ وذكر البرزلى أن ابن العربى سأل الغزالى عمن قلد الشافعى مثلا وكان مذهبه مخالفا لأحد الخلفاء الأربعة أو غيرهم من الصحابة فهل له اتباع الصحابة لأنهم أبعد عن الخطأ ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «اقتدوا بالذين من بعدى أبى بكر وعمر فأجاب أنه يجب عليه أن يظن بالشافعى أنه لم يخالف الصحابى الا لدليل أقوى من مذهب الصحابى وان لم يظن وهذا فقد نسب الشافعى للجهل بمقام الصحابى وهو محال وهذا سبب ترجيح مذهب المتأخرين على المتقدمين مع العلم بفضلهم عليهم لكون المتقدمين سمعوا الأحاديث آحادا وتفرقوا فى البلاد فاختلف فتاويهم وأقضيتهم فى البلاد وربما بلغتهم الأحاديث فوقفوا عما أفتوا به وحكموا ولم يتفرغوا لجمع الأحاديث لاشتغالهم بالجهاد وتمهيد الدين فلما أنهى فتاويهم الناس الى تابعى التابعين وجدوا الاسلام مستقرا ممهدا فصرفوا همهم الى جمع الأحاديث ونظروا بعد الاحاطة بجميع مدارك الأحكام ولم يخالفوا ما أفتى به الأول الا لدليل أقوى منه وهذا لم يسم فى المذاهب بكريا ولا عمريا انتهى مختصرا ثم ذكر البرزلى عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه سئل عمن صح عنده مذهب أبى بكر أو غيره من علماء الصحابة فى شئ فهل يعدل الى غيره أم لا فأجاب بأنه اذا صح عن عصر الصحابة مذهب فى حكم من الأحكام فلا يجوز العدول عنه الا بدليل أوضح من دليله ولا يجب على المجتهد تقليد الصحابة وهذا مخالف لما تقدم وهو أيضا مبنى على مذهبه من جواز الانتقال من مذهب الى مذهب ثم ذكر المازرى انه سئل هل يسوغ الأخذ بقول ابن المسيب أن المبتوتة تحل بالعقد فأجاب بأنى سئلت عن هذه المسألة حين وقعت لشخص قرأ على فى شئ من الأصول.

وجاء لى سؤال من قبل قاضى تونس وفقهائها فأكثرت النكير عليه وبالغت حتى أظن أنى سمحت لهم فى عوقبته وذكرت لهم أن هذا باب ان فتح حدث منه خروق من الديانات وانى رأيت من الدين الحازم والأمر الحاتم أن أنهى عن الخروج عن مذهب مالك وأصحابه حماية للذريعة ولو ساغ هذا لقال رجل أنا أبيع دينارا بدينارين مقلدا لما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وآخر أنى أتزوج من غير ولى ولا شهود مقلدا فى الولى لأبى حنيفة رحمه الله تعالى وفى الشهود لمالك رحمه الله تعالى وبدانق مقلدا للشافعى رحمه الله وهذا عظيم الموقع فى الضرر.

وهب أنى أبحت لهذا السائل أن يفعل فى نفسه فنكاحه لا يخفى فهو أولى بالحسم من غيره وقضاة بلد وفقاؤهم لا يأخذون بذلك بل يفسخونه ولا تسمح أنفسهم بترك مذهب مالك والشافعى وأبى حنيفة لاتفاق الأمصار على تقليدهم انتهى.

وقال القرافى (٢) فى شرح المحصول قال سيف الدين اذا أتبع العامى مجتهدا فى حكم حادثة وعمل بقوله اتفقوا على أنه ليس له الرجوع فى ذلك الحكم واختلفوا فى رجوعه الى غيره فى غير ذلك الحكم واتباع غيره فيه فمنع وأجيز وهو الحق نظرا الى اجماع الصحابة فى تسويفهم للعامى والاستفتاء لكل عالم فى مسألة.

ولم ينقل عن السلف الحجر فى ذلك على العامة ولو كان ذلك ممتنعا لما جاز للصحابة اهماله والسكوت عن الانكار عليه.


(١) المرجع السابق للحطاب ج‍ ١ ص ٣٠، ٣١ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٢) انظر مواهب الجليل شرح مختصر أبى الضياء خليل للحطاب ج‍ ١ ص ٣٢ وما بعدها الطبعة السابقة.