للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأن كل مسألة لها حكم نفسها فكما لم يتعين الأول للاتباع فى المسألة الأولى الا بعد سؤاله فكذلك فى المسألة الأخرى وأما اذا عين العامى مذهبا معينا كمذهب الشافعى وأبى حنيفة وقال أنا على مذهبه وملتزم له فجوز قوم اتباع غيره فى مسألة من المسائل نظرا الى أن التزام ذلك المذهب غير ملزوم له ومنعه آخرون لأن التزامه ملزوم له كما لو التزمه فى حكم حادثة معينة.

والمختار التفصيل وهو أن كل مسألة من مذهب الأول أن اتصل عمله بها فليس له تقليد الغير فيها وما لم يتصل عمله بها فلا مانع من اتباع غيره.

وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يذكر فى هذه المسألة اجماعين.

أحداها اجماع الصحابة المتقدم ذكره.

والثانى اجماع الأمة على أن من أسلم لا يجب عليه اتباع امام معين بل هو مخير فاذا قلد اماما معينا وجب أن يبقى ذلك التخيير المجمع عليه حتى يحصل دليل على رفعه لا سيما الاجماع لا يدفع الا بما هو مثله من القوة.

فقال البرزلى وأما الانتقال من مذهب امام الى غيره ففى ذلك ثلاثة أقوال بالجواز والمنع والثالثة أن وقعت حادثة فقلده فيها فليس له الرجوع.

واذا لم يجد (١) الشخص نصا فى المسألة فى مذهب امامه ولا وجد من له معرفة بمداركه فالظاهر أنه يسأل عنها فى مذهب الغير ويعمل عليه ولا يعمل بجهل.

ويؤيد هذا ما قاله الشيخ يوسف بن عمر فى شرح قول الرسالة ويستعمل سائر ما ينتفع به طيبا الحلال ضالة مفقودة فيجتهد الانسان وفى المتفق عليه فى المذهب فان لم يجد فالقوى من الخلاف فان لم يجد فينظر الخلاف خارج المذهب ولا يخرج عن أقاويل العلماء وكذا ينبغى فى كل مسألة والله أعلم.

وفى المجموع (٢): قال أبو عمرو المفتون قسمان مستقل وغيره فالمستقل شرطه أن يكون قيما بمعرفة أدلة الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة والاجماع والقياس عالما بما يشترط‍ فى الأدلة عارفا من علوم القرآن والحديث والناسخ والمنسوخ والنحو واللغة والتعريف واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذى يتمكن معه من الوفاء بشروط‍ الأدلة والاقتباس منها عالما بالفقه ضابطا لأمهات مسائله وتفاريعه وهذا هو المفتى المستقل والثانى المفتى الذى ليس بمستقل ومن دهر طويل عدم المفتى المستقل وصارت الفتوى الى المنتسبين الى أئمة المذهب المتبوعة وللمفتى المنتسب أربعة أحوال:

أحدهما أن لا يكون مقلدا لامامه لا فى المذهب ولا فى دليله لاتصافه بصفة المستقل وانما ينسب اليه لسلوكه طريقه فى الاجتهاد.

وفتوى المفتى فى هذه الحالة كفتوى المستقل فى العمل بها والاعتداد بها فى الاجماع والخلاف.

والحالة الثانية: أن يكون مجتهدا مقيدا فى مذهب امامه بتقرير أصوله بالدليل غير أنه لا يتجاوز فى أدلته أصول امامه وقواعده والعامل بفتوى هذا مقلد لامامه لا له وله أن يفتى فيما لا نص فيه لامامه بما يخرجه على أصوله.

ثم أفتى بتخريجه فالمستفتى مقلد لامامه لا له ثم تارة يخرج من نص معين لامامه وتارة لا يجده


(١) المرجع السابق ج‍ ١ ص ٣٣ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٢) انظر المجموع شرح المهذب للامام العلامة الفقيه الحافظ‍ أبى زكريا محيى الدين بن شرف النووى ويليه فتح العزيز شرح الوجيز للامام الجليل أبو القاسم عبد الكريم ابن محمد الرافعى ومعه التلخيص الجبير فى تخريج أحاديث الرافعى الكبير للامام على بن حجر العسقلانى ج‍ ١ ص ٤٢ وما بعدها طبع مطابع مطبعة التضامن الأخوى ادارة الطباعة المنيرية.