للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيخرج على أصوله بأن يجد دليلا على شرط‍ ما يحتج به أمامه فيفتى بموجبه.

الحالة الثالثة: أن لا يبلغ رتبة أصحاب الوجوه لكنه فقيه النفس حافظ‍ مذهب امامه بأدلته قائم بتقريرها ويصور ويحرر ويقرر ويمهد ويزيف ويرجح لكنه قصر عن أولئك لقصوره عنهم فى حفظ‍ المذهب وهذه صفة كثير من المتأخين.

وأما فتاويهم فكانوا يتبسطون فيها.

الحالة الرابعة: أن يقوم بحفظ‍ المذهب ونقله وفهمه فى الواضحات والمشكلات ولكن عنده ضعف فى تقرير أدلته وتحرير أقيسته فهذا يعتمد نقله وفتواه به فيما يحكيه من مسطورات مذهبه من نصوص امامه وتفريع المجتهدين فى مذهبه وما لا يجده منقولا أن وجد فى المنقول معناه بحيث يدرك بغير كبير فكر أنه لا فرق بينهما جاز الحاقه به.

والفتوى به هذه هى أصناف المفتين وكل صنف منها يشترط‍ فيه حفظ‍ المذهب وفقه النفس فمن تصدى للفتيا وليس بهذه الصفة قد باء بأمر عظيم.

ولقد قطع امام الحرمين وغيره بأن الأصولى الماهر المتصرف فى الفقه لا يحل له الفتوى بمجرد ذلك، ولو وقعت له واقعة لزمه أن يسأل عنها ويلتحق به المتصرف النظار والبحاث عن أئمة الخلاف وفحول المناظرين لأنه ليس أهلا لادراك حكم الواقعة استقلال لقصور آلته ولا من مذهب امام لعدم حفظه له على الوجه المعتبر.

فان قيل من حفظ‍ كتابا أو أكثر فى المذهب وهو قاصر لم يتصف بصفة أحد ممن سبق ولم يجد العامى فى بلده غيره هل له الرجوع الى قوله:

فالجواب ان كان فى غير بلده مفت يجد السبيل اليه وجب التوصل اليه بحسب امكانه.

فان تعذر ذكر مسألته للقاصر فان وجدها بعينها فى كتاب موثوق بصحته وهو ممن يقبل خبره نقل له حكمها وكان بنصه وكان العامى فيها مقلدا صاحب المذهب.

قال أبو عمرو وهذا وجدته فى ضمن كلام بعضهم والدليل يعضده.

وان لم يجدها مسطورة بعينها لم يقسها على مسطور عنده وان اعتقده من قياس لا فارق فانه قد يتوهم ذلك فى غير موضعه، فان قيل هل لمقلد أن يفتى بما هو مقلد فيه.

فكذا قطع أبو عبد الله الحليمى وأبو محمد الجوينى وأبو المحاسن الرويانى وغيرهم بتحريمه.

وقال القفال المروزى يجوز، قال أبو عمرو قول من منعه معناه لا يذكره على صورة من يقوله من عند نفسه بل يضيفه الى امامه الذى قلده فعلى هذا من عددناه من المفتين المقلدين ليسوا مفتين حقيقة لكن لما قاموا مقامهم وأدوا عنهم عدوا معهم.

وسبيلهم أن يقولوا مثلا مذهب الشافعى كذا أو نحو هذا ومن ترك منهم الاضافة فهو اكتفاء بالمعلوم من الحال عن التصريح به ولا بأس بذلك.

وذكر صاحب الحاوى فى العامى اذا عرف حكم حادثة بناء على دليلها ثلاثة أوجه.

أحدها يجوز أن يفتى به ويجوز تقليده لأنه وصل الى علمه كوصول العالم.

والثانى يجوز ان كان دليلها كتابا أو سنة ولا يجوز أن كان غيرهما.

والثالث لا يجوث مطلقا وهو الأصح والله أعلم.

وجاء فى (١) موضع آخر: هل يجوز للعامى أن يتخير ويقلد أى مذهب شاء.


(١) انظر المجموع شرح المهذب للامام النووى ومعه فتح العزيز شرح الوجيز للرافعى ويليه التلخيص الجبير فى تخريج أحاديث الرافعى الكبير للعسقلانى ج‍ ١ ص ٥٥ وما بعدها الطبعة السابقة.