للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يفتى من عند نفسه بتقليد غيره لأن تقليد من لا تثبت عصمته ولا تعلم أصابته حكم شرعى لا يثبت الا بنص أو قياس ولا نص ولا قياس اذ المنصوص عليه العامى مع المجتهد.

وليس ما اختلفنا فيه مثله فان العامى عاجز عن تحصيل العلم والظن بنفسه والمجتهد قادر فلا يكون فى معناه فان قيل هو لا يقدر على غير الظن وظن غيره كظنه قلنا مع هذا اذا حصل ظنه لم يجز له اتباع ظن غيره.

فكان ظنه أصلا وظن غيره بدلا فلا يجوز اثباته الا بدليل.

ولأنه اذا لم يجز له العدول اليه مع وجود المبدل لم يجز مع القدرة عليه كسائر الابدال والمبدلات.

فان قيل لا نسلم عدم النص فى المسألة بل فيها نصوص كقول الله تبارك وتعالى «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ١» وهذا لا يعلم هذه المسألة وقول الله عز وجل «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ٢»}.

قلنا المراد بالأولى أمر العامة بسؤال العلماء اذ ينبغى أن يتميز السائل عن المسئول فالعالم مسئول غير سائل ولا يخرج عن العلماء يكون المسألة غير حاضرة فى ذهنه اذا كان متمكنا من معرفتها من غير تعلم من غيره.

والثانى يحتمل أن يكون معناه اسألوا لتعلموا أى سلوا عن الدليل ليحصل العلم كما يقال كل لتشبع، وأشرب لتروى.

والمراد بأولى الأمر الولاة لوجوب طاعتهم اذ لا يجب على المجتهد طاعة المجتهد.

وان كان المراد به العلماء فالطاعة على العوام ثم هو معارض بعمومات أقوى مما ذكروه يمكن التمسك بها فى المسألة.

يقول الله تبارك وتعالى «فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ ٣»}. وقول الله عز وجل «لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ ٤ مِنْهُمْ» وقول الله سبحانه وتعالى «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ٥» وقول الله تبارك وتعالى «فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} (٦).

وهذا أمر بالتدبر والاستنباط‍ والخطاب مع العلماء ثم لا فرق بين السائل والأعلم فان الواجب أن ينظر فان وافق اجتهاده الأعلم فذاك وان خالفه فمن أين ينفع كونه أعلم وقد صار مزيفا عنده وظنه عنده أقوى من ظن غيره وله الأخذ بظن نفسه اتفاقا ولم يلزمه الأخذ بقول غيره وان كان أعلم فينبغى أن لا يجوز تقليده فان قيل فلم ينقل عن طلحة والزبير ونظرائهما نظر فى الأحكام مع ظهور الخلاف فالأظهر أنهم أخذوا بقول غيرهم.

قلنا كانوا لا يفتون اكتفاء بغيرهم وأما علمهم لنفوسهم فلم يكن الا بما عرفوه فان أشكل عليهم شاوروا غيرهم لتعرف الدليل لا للتقليد والله أعلم.

وفى الأحكام لابن حزم (٧) الظاهرى حد الفقه هو المعرفة بالأحكام الشرعية من القرآن الكريم.

ومن كلام المرسل بها، الذى لا تؤخذ الا عنه وتفسير هذا الحد كما ذكرنا المعرفة بأحكام القرآن وناسخها ومنسوخها، والمعرفة بأحكام كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخه ومنسوخه


(١) الآية رقم ٤٣ من سورة النحل.
(٢) الآية رقم ٥٩ من سورة النساء.
(٣) الآية رقم ٢ من سورة الحشر.
(٤) الآية رقم ٨٣ من سورة النساء.
(٥) الآية رقم ٨٢ من سورة النساء.
(٦) الآية رقم ٥٩ من سورة النساء.
(٧) انظر الأحكام فى أصول الأحكام للحافظ‍ أبى محمد على بن حزم الاندلسى الظاهرى ج‍ ٥ ص ١٢٧، ص ١٢٨، ص ١٢٩، ١٣٠ وما بعدهم طبع مطابع السعادة بمصر الطبعه الأولى سنة ١٣٤٥ هـ‍ ط‍. الطبعة السابقة.