للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما صح نقله مما لم يصح ومعرفة ما أجمع العلماء عليه، وما اختلفوا فيه وكيف يرد الاختلاف الى القرآن الكريم وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهذا تفسير العلم بأحكام الشريعة.

وكل من علم مسألة واحدة من دينه على الرتبة التى ذكرنا جاز له أن يفتى بها وليس جهله بما جهل بمانع من أن يفتى بما علم ولا علمه بما علم بمبيح له أن يفتى فيما جهل وليس لأحد بعد النبى صلى الله عليه وسلم الا وقد غاب عنه من العلم كثير هو موجود عند غيره.

فلو لم يفت الا من أحاط‍ بجميع العلم لما حل لأحد من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفتى أصلا.

وهذا لا يقوله مسلم وهو ابطال للدين وكفر من قائله وفى بعثه النبى صلى الله عليه وسلم الامراء الى البلاد ليعلموا الناس القرآن وحكم الدين ولم يكن أحد منهم يستوعب جميع ذلك لأنه قد كان تنزل بعدهم الآيات والأحكام، بيان صحيح بأن العلماء وان فاتهم كثير من العلم فان لهم أن يفتوا ويقضوا بما عرفوا.

وفى هذا الباب أيضا بيان جلى على أن من علم شيئا من الدين علما صحيحا فله أن يفتى به وعليه أن يطلب علم ما جهل مما سوى ذلك.

ومن علم أن فى المسألة التى نزلت حديثا قد فاته لم يحل له أن يفتى فى ذلك حتى يقع على ذلك الحديث.

ومن لم يعلم الأحكام على الصفة التى ذكرنا قبل لكن انما أخذ المسائل تقليدا، فانه لا يحل لمسلم أن يستفتيه ولا يحل له أن يفتى بين اثنين ولا يحل للامام أن يوليه قضاء ولا حكما أصلا.

ولا يحل له أن قلد ذلك أن يحكم بين اثنين وليس لأحد بعد النبى صلى الله عليه وسلم الا وهو يخطئ ويصيب فليس خطؤه بمانع من قبول صوابه وبالله تعالى التوفيق.

فلا يوجد مفت فى الديانة وفى الطلب أبدا الا أحد ثلاثة أناس.

أما عالم فيفتى بما بلغه من النصوص بعد البحث والتقصى كما يلزمه فهذا مأجور أخطأ أو أصاب، وواجب عليه أن يفتى بما علم.

واما فاسق يفتى بما يتفق له مستديما لرياسة أو لكسب مال وهو يدرى أنه يفتى بغير واجب.

وأما جاهل ضعيف العقل يفتى بغير يقين علم وهو يظن أنه مصيب ولم يبحث حق البحث.

ولو كان عاقلا لعرف أنه جاهل فلم يتعرض لما لا يحسن.

حدثنى أبو الزناد سراج بن سراج وخلف بن عثمان البحام وأبو عثمان سعيد بن محمد الضراب كلهم: يقول سمعت عبد الله بن ابراهيم الأصيلى يقول، قال لى الأبهرى أبو بكر محمد بن صالح كيف صفة الفقيه عندكم بالأندلس؟ فقلت له يقرأ المدونة وربما المستخرجة فاذا حفظ‍ مسائلتهما أفتى فقال لى وهذا ما هو فقلت له، نعم فقال لى:

أجمعت الأمة على أن من هذه صفته لا يحل له أن يفتى.

قال أبو محمد على بن أحمد وحدثنى أبو مروان عبد الملك بن أحمد المروانى قال سمعت أحمد بن عبد الملك الأشبيلى المعروف بابن المكرى - ونحن مقبلون من جنازة من الربض بعدوة نهر قرطبة وقد سأله سائل فقال له، ما المقدار الذى اذا بلغه المرء حل له أن يفتى؟ فقال له: اذا عرف موضع المسألة فى الكتاب الذى يقرأ حل له أن يفتى.

ثم أخبرنى أحمد بن الليث الأنسرى أنه حمل اليه والى القاضى أبى بكر يحيى بن عبد الرحمن بن واقد كتاب الاختلاف الأوسط‍ لابن المنذر فلما طالعاه قالا له، هذا كتاب من لم يكن عنده فى بيته لم يشم رائحة العلم.