للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: وزادنى بن واقد أن قال: ونحن ليس فى بيوتنا، فلم نشم رائحة العلم قال أبو محمد، لم نأت بما ذكرنا احتجاجا لقولنا ولكن الزاما لهم ما يلتزمونه فان قول أكابر أهل بلادنا عندهم أثبت من العيان وأولى بالطاعة مما رووا فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالله تعالى نعوذ من الخذلان، فقد بينا صفة الطلب والمفتى والاجتهاد الذى نأمر به ونصوب من فعله وهو طلب الحكم فى المسألة من نص القرآن الكريم وصحيح الحديث، وطلب الناسخ من المنسوخ وبناء الحديث بعضه مع بعض ومع القرآن وبناء الآى بعضها مع بعض على ما بينا فيما سلف من كتابنا هذا، ليس عليه غير هذا البتة وان طالع أقوال الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم عصرا عصرا.

ففرض عليه أن ينظر من أقوال العلماء كلها نظرا واحدا، ويحكم فيها القرآن والسنة فلأيها حكم اعتقده وأفتى به وأطرح سائرها.

وان لم يجد شيئا مما بلغه منها فى نص القرآن الكريم ولا فى نص السنة لم يحل له أن يأخذ بشئ منها بل عليه أن يأخذ بالنص وان لم يبلغه أن قائلا قال به، لما قد بيناه فى كلامنا فى الاجماع من امتناع الاحاطة بأقوال العلماء السالفين.

ومن قيام البرهان على أنه لا يخلو عصر من قائل الحق فهذا هو الاجتهاد الصحيح الذى يؤجر من فعله على كل حال.

فان وافق الحق عند الله عز وجل أجر أجرا ثانيا على الاصابة فحصل له أجران وان لم يوافق لادراك الحق لم يأثم وقد حصل له أجر الطلب للحق وارادته كما قال الشاعر، وما كل موصوف له الحق يهتدى.

ولا كل من أم الصوى يستبينها وكل ما سمى اجتهادا من غير ما ذكرنا فهو باطل وافك، زين بأن سمى اجتهادا كما سمى اللديغ سليما، والمهلكة مغازة، والاسود السخامى أبا اليضاء بصيرا والأعمى بصيرا.

وكما سمى قوم المسكر نبيذا وطلاء وهو الخمر بعينها.

وبين ما قلنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (اذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وان أصاب فله أجران). كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفى شرح الأزهار (١): يصير المقلد ملتزما لمذهب امامه بالنية وهى العزم على العمل بقوله فى الأصح لأن فى ذلك أقوالا فمنهم من قال انما يصير مقلدا بالعمل وهو ظاهر قول ابن الحاجب فى المنتهى قال المهدى عليه السلام وعلى ذهنى أن قائلا يقول يصير مقلدا بمجرد السؤال وبعد الالتزام لقول امام معين فى حكم واحد أو فى أحكام أو فى جملة المذهب فانه يحرم الانتقال عن ذلك المذهب فى عين ذلك الحكم أو الأحكام المعينة قال ابن الحاجب بالاتفاق.

فأما فى الصورة الثالثة وهى التقليد فى جملة المذهب كمن التزم مذهب الشافعى مثلا هل له أن يرجع حنفيا فيه خلاف والصحيح التحريم الا الى ترجيح نفسه أى بعد الالتزام يحرم الانتقال عما التزمه الا الى ترجيح نفسه بعد استيفاء طرق الحكم الذى ينظر فيه وهى الأدلة عليه والامارات حتى لا يغيب شئ مما يحتاج به عليه فمتى استوفاها اجتهد فيها ورجح ما رجح فانه حينئذ يجوز له الانتقال الى ما يترجح عنده كما يجوز للمجتهد ترك الاجتهاد الأول لترجيح خلافه.

قال عليه السلام وهذا واضح لكنه مبنى على تجزى الاجتهاد وذلك مختلف فيه.

وقد أشرنا الى ذلك بقولنا فالاجتهاد يتبعض بمعنى أنه يكون الانسان مستكملا الآلة الاجتهاد فى مسألة دون مسألة.


(١) انظر شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج‍ ١ ص ١٨، ص ١٩، ص ٢٠ وما بعدهم وهامش الأزهار طبع مطابع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة ١٣٥٧ هـ‍ الطبعة الثانية بمطبعة حجازى بمصر.