للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا كلامه وقواعدنا لا تأباه.

وأما اذا أخذ لا ليرخص له بل لبيان الحكم الشرعى فهذا ما ذكره أولا وهذا اذا لم يكن بطريق الأجرة بل مجرد هدية لأن أخذ الأجرة على بيان الحكم الشرعى لا يحل عندنا وانما يحل على الكتابة لأنها غير واجبة عليه.

وفى البحر الرائق (١) قال:

ورد مفت زرا على خياط‍ مستفت وقلعه من ثوبه تحرزا عن شبهة الرشوة. وفى الحطاب (٢).

قال البرزلى وأما الاجارة على الفتيا فنقل المازرى فى شرح المدونة الاجماع على منعها وكذلك القضاء لأنها من باب الرشوة.

لكن لو أتى خصمان الى قاض فأعطى له أجرا على الحكم بينهما وأتى رجل للمفتى فأعطاه أجرا على فتوى لم يتعلق بها خصومة ولم يتعين ذلك عليه لوجود من يقوم به.

فقال الشيخ عبد الحميد أى شئ يمنع من ذلك ولا يجسر على التصريح به وقال اللخمى يمنع من ذلك جملة.

وعلى الأول يحمل ما يروى عن ابن علوان أحد فقهاء تونس ومفتيها.

انه كان يقبل الهدية والهبة ويطلبها ممن يفتيه.

كما نقله ابن عرفة عنه قال البرزلى عن ضرر ابن عات عن ابن عبد الغفور.

وما أهدى للفقيه من غير حاجة فجائز له قبوله.

وما أهدى له رجاء العون على خصومه أو فى مسألة رجاء قضائها على خلاف المعمول به.

فلا يحل وهو رشوة قال البرزلى كأخذ فقهاء البادية الجعائل على رد المطلقة ثلاثا ونحوها من الرخص.

وكذلك اذا تنازع (٣) عنده خصمان فأهديا اليه جميعا أو أهدى أحدهما.

يرجو كل واحد منهما أن يعينه فى حجته أو يعينه عند حاكم اذا كان ممن يسمع منه ويوقف عنده فلا يحل له الأخذ منهما.

ولا من أحدهما.

وقال ابن عرفة قال بعض المتأخرين ما أهدى للمفتى ان كان ينشط‍ للفتيا أهدى له أم لا فلا بأس.

وان كان انما ينشط‍ للفتيا اذا أهدى له فلا يأخذها وهذا ما لم يكن خصومه.

والأحسن أن لا يقبل من صاحب الفتيا وهو قول ابن عيشون وكان يجعل ذلك رشوة قال الحطاب قد يخف قبولها لمن كان محتاجا ولا سيما اشتغاله بأصولها يقطعه عن التسبب.

ولا رزق له عليها من بيت المال وعليه يحمل ما أخبرنى به غير واحد عن الشيخ الفقيه أبى على بن علوان أنه كان يقبل الهدية ويطلبها من يفتيه.

وفى الطراز وظاهره لابن عيشون ومن هذا انقطاع الرغبة للعلماء والمتعلقين بالسلطنة لدفع الظلم عنهم فيما يهدونه لهم ويخدمونهم.


(١) انظر البر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج‍ ٦ ص ٢٩٢ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٢) انظر مواهب الجليل شرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج‍ ١ ص ٣٣ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٣) المرجع السابق ج‍ ٦ ص ١٢١ وما بعدها الطبعة السابقة.