للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أى للمفتى أهل بلد رزقا ويتفرغ له جاز له أخذه، وجاء فى الاقناع (١): ولا يجوز أن يفتى فيما يتعلق باللفظ‍ بما اعتاده هو من فهم تلك الألفاظ‍ دون أن يعرف عرف أهلها والمتكلمين بها، بل يحولها على ما اعتادوه وعرفوه وان كان مخالفا لحقائقها الأصلية، واذا اعتدل عنده قولان من غير ترجيح فقال القاضى يفتى بأيهما شاء، وفى كشاف (٢) القناع: أيضا لا ينبغى للرجل أن يعرض نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصائل:

احداها أن تكون له نية أى أن يخلص فى ذلك لله تعالى ولا يقصد رياسة ولا نحوها فان لم تكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور اذ الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى.

الثانية: أن يكون له حلم ووقار وسكينة والا لم يتمكن من فعل ما تصدى له من بيان الأحكام الشرعية.

والثالثة أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته والا فقد عرض نفسه لعظيم.

الرابعة: الكفاية والا بغضه الناس فانه اذا لم تكن له كفاية احتاج الى الناس والى الأخذ مما فى أيديهم فيتضررون منه.

الخامسة: معرفة الناس: أى ينبغى للمفتى أن يكون بصيرا بمكر الناس وخداعهم ولا ينبغى له أن يحسن الظن بهم بل يكون حذرا فطنا مما يصورونه فى سؤالاتهم لئلا يوقعوه فى المكروه ويؤيده حديث «احترسوا من الناس بسوء الظن» وخير أخوك البكرى ولا تأمنه.

وقد روى عن مالك قال: ما أفتيت حتى شهد لى سبعون أنى أهل لذلك.

وفى رواية ما أفتيت حتى سألت من هو أعلم منى هل ترانى موصفا لذلك قال مالك ولا ينبغى لرجل أن يرى نفسه أهلا لشئ حتى يسأل من هو أعلم منه ويحرم أن يفتى فى حال لا يجوز أن يحكم فيها كغضب ونحوه كحر مفرط‍ وملل ونحوه مما يغير الفكر فان أفتى فى ذلك الحال وأصاب الحق صح جوابه وكره، وتصح فتوى العبد والمرأة والأمى والأخرس المفهوم الاشارة أو الكتابة كغيرهم، وتصح الفتيا مع أخذ النفع ودفع الضرر، ومن العدو وان يفتى أباه وأمه وشريكه ومن لا تقبل شهادته له كزوجته ومكاتبته لأن القصد بيان الحكم الشرعى وهو لا يختلف وليس منه الزام بخلاف الحاكم، ولا تصح الفتيا من فاسق لغيره وان كان مجتهدا لأنه ليس بأمين على ما يقول وفى أعلام الموقعين قلت: الصواب جواز استفتاء الفاسق الا أن يكون معلنا بفسقه داعيا الى بدعته لكن يفتى المجتهد الفاسق نفسه لأنه لا يتهم بالنسبة الى نفسه ولا يسأله غيره لعدم حصول المقصود والوثوق به ولا تصح الفتيا من مستور الحال وفى المبدع تصح فتيا مستور الحال فى الأصح.

والحاكم كغيره فى الفتيا فيما يتعلق بالقضاء وغيره، ويحرم تساهل مفت فى الفتيا وتقليد معروف به أى بالتساهل فى الفتيا، قال الشيخ لا يجوز استفتاء الا من يفتى بعلم أو عدل لأن أمر الفتيا خطر فينبغى أن يحتاط‍، وليس لمن انتسب الى مذهب امام اذا استفتى فى مسألة ذات قولين أو وجهين أن يتخير ويعمل بأيهما شاء بل يراعى ألفاظ‍ امامه ومتأخرها وأقربها من الكتاب والسنة ويلزم المفتى تكرير النظر عند تكرار الواقعة كالمجتهد فى القبلة يجتهد لكل صلاة.

أما العامى اذا وقعت له مسألة فسأل عنها ثم وقعت له ثانيا فلم أر لأصحابنا فيها شيئا وان حدث ما لا قول فيه للعلماء تكلم فيه حاكم ومجتهد ومفت فيرده الى الأصل والقواعد وينبغى للمفتى أن يشاور من عنده ممن يثق بعلمه الا أن يكون فى ذلك أمشاء السائل أو تعريضه للأذى أو يكون


(١) الاقناع فى فقه الامام بن حنبل لأبى النجا شرف الدين موسى الحجاوى المقدسى ج‍ ٤ ص ٣٧٤ وما بعدها طبع المطبعة المصرية بمصر.
(٢) كشاف القناع على متن الاقناع وبهامشه منتهى الارادات ج‍ ٤ ص ١٧٥، ١٧٦ وما بعدها الطبعة السابقة.