للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذى هو علم اختلاف الحركات الواقعة لا ختلاف المعانى.

فلم يعرف اللسان الذى به خاطبنا الله تبارك وتعالى ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن لم يعرف ذلك اللسان لم يحل له الفتيا فيه لأنه يفتى بما لا يدرى وقد نهاه الله تبارك وتعالى عن ذلك بقوله عز وجل «وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ١»}.

وقول الله سبحانه وتعالى «وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ٢» وقول الله عز وجل «ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» وقال الله سبحانه وتعالى «إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ ٣».

وفرض على الفقيه أن يكون عالما بسير النبى صلى الله عليه وسلم ليعلم آخر أوامره وأولها وحربه صلى الله عليه وسلم لمن حارب وسلمه لمن سالم ليعرف على ماذا حارب ولماذا وضع الحرب وحرم الدم بعد تحليله وأحكامه عليه الصلاة والسلام التى حكم بها فمن كانت هذه صفته وكان ورعا فى فتياه مشفقا على دينه صلبا فى الحق حلت له الفتيا والا فحرام عليه أن يفتى بين اثنين أو أن يحكم بين اثنين وحرام على الامام أن يقلده حكما أو يتيح له فتيا وحرام على الناس أن يستفتوه لأنه ان لم يكن عالما بما ذكرنا فلم يتفقه فى الدين وان لم يكن مشفقا على دينه فهو فاسق وان لم يكن صلبا فى الحق لم يأمر بمعروف ولا نهى عن منكر.

والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فرضان على الناس قال الله تبارك وتعالى «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ٤». وهذا متوجه الى العلماء بالمعروف وبالمنكر لأنه لا يجوز أن يدعو الى الخير الا من علمه ولا يمكن أن يأمر بالمعروف الا من عرفه ولا يقدر على انكار المنكر الا من ميزه ثم قال ابن حزم (٥) وأما معرفة الاجماع والاختلاف فقد زعم قوم أن هذا يجب معرفته بقول الله عز وجل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ٦» قال ففرض علينا معرفة ما اتفقت عليه أولوا الأمر منا لأننا مأمورون بطاعتهم ولا يمكننا طاعتهم الا بعد معرفة اجماعهم الذى يلزمنا طاعتهم فيه.

وأما معرفة الاختلاف ومعرفة ما يتنازعون فيه ومعرفة كيفية الرد الى الكتاب الكريم والسنة فيقول الله عز وجل «فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ٧» ففرض علينا معرفة ما يتنازعون فيه ومعرفة كيف يرد ذلك الى الكتاب الكريم والسنة الشريفة لأننا ان لم نعرف الاختلاف ظننا أن القول الذى نسمعه من بعض العلماء لا خلاف فيه فنتبعه دون أن نعرضه على القرآن الكريم والسنة الشريفة فنخطئ ونعصى الله تعالى اذا أخذنا قولا نهينا عن اتباعه.

قال أبو محمد وهذا خطأ لأننا انما أمرنا الله تعالى بطاعة أولى الأمر فيما نقلوه الينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فأما أن يقولوا من عند أنفسهم بحكم لا نص فيه فما جاز هذا قط‍ لأحد أن يفعله ولاحل لأحد قط‍


(١) الآية رقم ٢٦ من سورة الاسراء.
(٢) الآية رقم ٨ من سورة الحج.
(٣) الآية رقم ٦٦ من سورة آل عمران.
(٤) الآية رقم ١٥ من سورة النور
(٥) الآية رقم ١٠٤ من سورة آل عمران.
(٦) انظر الأحكام فى أصول الأحكام لا بن حزم الظاهرى ج‍ ٥ ص ١٢٥ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٧) الآية رقم ٥٩ من سورة النساء.