للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يطيع من فعله وقد توعد الله تبارك وتعالى، رسوله صلى الله عليه وسلم على هذا أشد الوعيد فكيف على من دونه قال الله تبارك وتعالى «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ١ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ٢ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ ٣ الْوَتِينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ ٤» فصح أن من قال فى الدين بقول اضافه الى الله تبارك وتعالى فقد كذب وتقول على الله تعالى الأقاويل وان لم يضفه الى الله عز وجل فليس من الدين أصلا لكن معرفة الاختلاف علم زائد.

قال سعيد بن حبير، أعلم الناس أعلمهم بالاختلاف وصدق سعيد لأنه علم زائد وكذلك معرفة من أين قال كل قائل فأما معرفة كيفية اقامة البرهان فيقول الله تبارك وتعالى «قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} (٥)» فلم نقل شيئا الا ما قاله ربنا عز وجل وأوجبه علينا وانما نحن منبهون على ما أمرنا الله تعالى ومنذرون قومنا فيما تفقهنا فيه ونفرنا لتعلمه كما أمرنا الله تبارك وتعالى اذ يقول «وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ٦» ولا نقول من عند أنفسنا شيئا.

ثم قال (٧): فحد الفقيه هو المعرفة بأحكام الشريعة من القرآن الكريم ومن كلام المرسل بها الذى لا تؤخذ الا عنه وتفسير هذا الحد هو المعرفة بأحكام القرآن الكريم وناسخها ومنسوخها والمعرفة بأحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخه ومنسوخه وما صح نقله مما لم بصح ومعرفة ما أجمع العلماء عليه وما اختلفوا فيه وكيف يرد الاختلاف الى القرآن الكريم وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهذا تفسير العلم بأحكام الشريعة وكل من علم مسألة واحدة من دينه على الرتبة التى ذكرنا جاز له أن يفتى بها وليس جهله بمانع من أن يفتى بما علم ولا علمه بما علم بمبيح له أن يفتى فيما جهل وليس أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الا وقد غاب عنه من العلم كثير هو موجود عند غيره فلو لم يفت الا من أحاط‍ بجميع العلم لما حل لأحد من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفتى أصلا.

وهذا لا يقوله مسلم وهو ابطال للدين وكفر من قائله.

وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمراء الى البلاد ليعلموا الناس القرآن الكريم وحكم الدين ولم يكن أحد منهم يستوعب جميعه لأنه قد كانت تنزل بعدهم الآيات والأحكام وفى ذلك بيان صحيح بأن العلماء وان فاتاهم كثير من العلم فان لهم أن يفتوا ويقضوا بما عرفوا.

وفى هذا الباب أيضا بيان جلى على أن من علم شيئا من الدين علما صحيحا فله أن يفتى به وعليه أن يطلب علم ما جهل مما سوى ذلك ومن علم أن فى المسألة التى نزلت حديثا قد فاته لم يحل له أن يفتى فى ذلك حتى يقع على ذلك الحديث.

ثم قال ابن حزم الظاهرى (٨): فالواجب طلب الحكم فى المسألة من نص القرآن الكريم وصحيح الحديث الشريف وطلب الناسخ من المنسوخ وبناء الحديث بعضه مع بعض ومع القرآن الكريم وبناء الآى بعضها مع بعض، ليس عليه غير هذا البتة وان طالع أقوال الصحابة رضى الله تعالى عنهم والتابعين، ومن جاء بعدهم عصرا عصرا


(١) الآية رقم ٤٥ من سورة الحاقة
(٢) الآية رقم ٤٤ من سورة الحاقة.
(٣) الآية رقم ٤٦ من سورة الحاقة.
(٤) الآية رقم ٤٧ من سورة الحاقة.
(٥) الآية رقم ١١١ من سورة البقرة.
(٦) الآية رقم ١٢٢ من سورة التوبة.
(٧) الأحكام فى أصول الأحكام لا بن حزم الظاهرى ج‍ ٥ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٨) المرجع السابق ج‍ ٥ ص ١٢٩، ١٣٠ وما بعدهما الطبعة السابقة.