للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ففرض عليه أن ينظر من أقوال العلماء كلها نظرا واحدا ويحكم فيها القرآن الكريم والسنة الشريفة فلأيها حكم اعتقده وأفتى به وأطرح سائرها وان لم يجد شيئا مما بلغه منها فى نص القرآن الكريم ولا فى نص السنة الشريفة لم يحل له أن يأخذ بشئ منها بل عليه أن يأخذ بالنص وان لم يبلغه أن قائلا قال به ثم قال (١): لا يحل اتباع فتبا صاحب ولا تابع ولا أحد دونهم الا أن يوجبها نص أو اجماع وقال (٢): وقد كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يقولون بآرائهم فى عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبلغه ذلك فيصوب المصيب ويخطئ المخطى فذلك بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم أفشى وأكثر فمن ذلك فتيا أبى السنابل لسبيعة الأسلمية بأن عليها فى العدة آخر الأجلين فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر أن فتياه باطلة وقد أفتى بعض الصحابة رضوان الله عليهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم حى - بأن على الزانى غير المحصن الرجم حتى افتداه والده بمائة شاة وو ليدة فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الصلح وفسخه وسائق ابن حزم من ذلك أمثلة كثيرة وقال (٣): واذا سئل العالم عن مسألة فأعيته أو نزلت به نازلة فأعيته فانه يلزمه أن يسأل الرواة عن أقوال العلماء فى تلك المسألة النازلة ثم يعرض تلك الأقوال على كتاب الله تعالى الكريم وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمره الله تبارك وتعالى يقول «وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» (٤).

وإذ يقول سبحانه وتعالى «وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ٥» وقول الله عز وجل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ٦» فمن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليرد ما اختلف فيه من الدين الى القرآن الكريم والسنة الشريفة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يرد ذلك إلى رجل من المسلمين.

وفى تتمة الروض النضير (٧): أنه يجب أن يكون الحاكم والمفتى مجتهدا بالفعل فى أشخاص مسائل الاستفتاء وفصل الخصومات ولا يكفى مجرد تمكنه من الاجتهاد فيها لأن الحكم والافتاء اخبار عما علمه الحاكم والمفتى من حكم الله وظنه والأخبار عن الله تبارك وتعالى لا عن دليل ولا أمارة افتراء على الله عز وجل «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ» (٨).

ثم قال: حدثنى زيد بن على عن أبيه عن جده على عليهم السلام قال: لا يفتى الناس الا من قرأ القرآن الكريم وعلم الناسخ والمنسوخ وفقه السنة وعلم الفرائض والمواريث لأن المفتى حاك عن الله سبحانه وتعالى حكمه الذى شرعه لعباده فلا يجوز له أن يخبر عن الله عز وجل حكمه ودينه الذى شرعه لعباده الا اذا كان خبره مطابقا لما شرعه والا كان قائلا عن الله سبحانه وتعالى بلا علم وقد حرم الله عز وجل القول عليه بغير علم كما قال الله تبارك وتعالى «قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ}


(١) الأحكام فى أصول الأحكام لا بن حزم الظاهرى ج‍ ٦ ص ٨٧، ٨٨ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٢) المرجع السابق لا بن حزم الظاهرى ج‍ ٦ ص ٨٤ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٣) الأحكام فى أصول الأحكام لا بن حزم الظاهرى ج‍ ٦ ص ١٥٠ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٤) الآية رقم ٧ من سورة الأنبياء.
(٥) الآية رقم ١٠ من سورة الشورى.
(٦) الآية رقم ٥٩ من سورة النساء.
(٧) انظر كتاب تتمة الروضة النضير شرح مجموع الفقه الكبير لشرف الدين الحسين بن أحمد بن الحسين بن على بن محمد بن سليمان بن صالح السياجى الخيمى الصنعانى ج‍ ص ٤٢، ٤٣، ٤٤، ٤٥ وما بعدهم طبع مطبعة السعادة بمصر سنة ١٣٤٥ هـ‍ الطبعة الأولى.
(٨) الآية رقم ٢١ من سورة الأنعام