للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ» (١).

ثم قال: من أفتى بغير علم كان أثمه على من أفتاه أخرجه أبو داود والحاكم من حديث أبى هريرة وجاء «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار» فلا بد أن يكون المنصوب (٢) للفتيا مجتهدا بالفعل فى كثير من الأحكام فيجب أن يكون له أهلية الاجتهاد وكمال الممارسة لموارد الأدلة لاشتراط‍ قراءته للقرآن وفقهه وأن يكون قد ظهر وتبين كمال اجتهاده الفعلى فى كثير من الأحكام ليتحقق كمال الأهلية لأن المطلوب من الانتصاب للفتيا هو بيان الأحكام الشرعية وغير الممارس وان كانت ملكته قوية يكاد أن يخفى عليه ما هو المتعين للاستناد اليه من الأدلة المعارضة لما استند اليه من تقدمه فى النظر فى دليل الحكم لجواز وجود مخصص للعام أو مقيد للمطلق ونحو ذلك وهذا القدر يعترف به كل من جود النظر وكان كامل الأهلية عالى الهمة يقظان الفطنة ولا يكفى كونه أصوليا وهو المعبر عنه بالتمكن من الاجتهاد لأن مجرد تحصيل الأدلة بدون استعمال لها غير مغن لكثرة خطأ الممارس فى أى صناعة كانت كما ذلك معلوم ولا بد أن يكون مستعينا بكثرة الممارسة للفروع المدونة بجميع فتاوى السلف وأقوال العلماء من الخلف وان كان ذلك غير شرط‍ فى الاجتهاد لأنه يزيد المنتصب للفتيا كمالا وثباتا.

وفى الروضة البهية (٣): انه يشترط‍ فى المفتى البلوغ والعقل والذكورة والايمان والعدالة وطهارة المولد اجماعا والكتابة والحرية والبصر على الأشهر، والنطق وغلبة الذكر والاجتهاد فى الأحكام الشرعية وأصولها ويتحقق بمعرفة المقدمات الست، وهى الكلام والأصول والنحو والتصريف ولغة العرب وشرائط‍ الأدلة والأصول الأربعة، وهى الكتاب الكريم والسنة الشريفة والاجماع ودليل العقل والمعتبر من الكلام ما يعرف به الله تبارك وتعالى وما يلزمه من صفات الجلال والاكرام وعدله وحكمته ونبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعصمته وامامة الأئمة عليهم السلام كذلك ليحصل الوثوق بخيرهم وتحقق الحجة به والتصديق بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحوال الدنيا والآخرة كل ذلك بالدليل التفصيلى ولا يشترط‍ الزيادة على ذلك بالاطلاع على ما حققه المتكلمون من أحكام الجواهر والأعراض وما اشتملت عليه كتبه من الحكمة والمقدمات والاعتراضات وأجوبة الشبهات وان وجب معرفته كفاية من جهة أخرى ومن ثم صرح جماعة المحققين بأن الكلام ليس شرطا فى التفقه فان ما يتوقف عليه منه مشترك بين سائر المكلفين ومن الأصول ما يعرف به أدلة الأحكام من الأمر والنهى والعموم والخصوص والاطلاق والتقييد والاجمال والبيان وغيرهما مما اشتملت عليه مقاصده ومن النحو والتصريف ما يختلف المعنى باختلافه ليحصل بسببه معرفة المراد من الخطاب ولا يعتبر الاستقصاء فيه على الوجه التام، بل يكفى الوسط‍ منه فما دون، ومن اللغة ما يحصل به فهم كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالحفظ‍ أو الرجوع الى أصل مصحح يشتمل على معانى الألفاظ‍ المتداولة فى ذلك ومن شرائط‍ الأدلة معرفة الأشكال الاقترانية والاستثنائية وما يتوقف عليه من المعانى المفردة وغيرها ولا يشترط‍ الاستقصاء فى ذلك بل يقتصر على المجزئ منه وما زاد عليه فهو مجرد تضيع للعمر وترجئة للوقت.

والمعتبر من الكتاب الكريم معرفة ما يتعلق بالأحكام وهو نحو خمسمائة آية اما بحفظها أو بفهم مقتضاها ليرجع اليها متى شاء ويتوقف على معرفة الناسخ منها من المنسوخ ولو بالرجوع الى أصل ليشتمل عليه ومن السنة جميع ما اشتمل عليها من الأحكام ولو فى أصل مصحح رواه عن عدل بسند متصل الى رسول الله صلى الله عليه


(١) الآية رقم ٣٣ من سورة الأعراف.
(٢) انظر كتاب تتمة الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير لابن سليمان بن صالح السياغى الخيمى ج‍ ص ٤٦، ٤٧ وما بعدهما الطبعة السابقة.
(٣) انظر كتاب الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد زين الدين الجبعى العاملى ج‍ ١ ص ٣٣٦، ٣٣٧ وما بعدهما طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر ١٣٠٠ هـ‍.