وفى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لا يفسد لأن الدخول انما يكون بعد الخروج وقليل القئ ليس له حكم الخروج بدليل عدم انتقاض الطهارة به فلم يوجد الدخول فلا يفسد هذا الذى ذكرنا كله اذا ذرعه القئ فأما اذا استقاء فان كان ملء الفم يفسد صومه بلا خلاف لقول النبى صلّى الله عليه وسلّم. ومن استقاء فعليه القضاء وان كان أقل من ملء الفم لا يفسد.
وفى قول أبى يوسف أفسد وعند محمد رحمه الله تعالى يفسد واحتج بقول النبى صلّى الله عليه وسلم ومن استقاء فعليه القضاء مطلقا من غير تفصيل بين القليل والكثير ولا يفسد فى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لما ذكرنا أن الأصل أن لا يفسد الصوم الا بالدخول بالنص الذى روينا ولم يوجد ههنا فلا يفسد والحديث محمول على الكثير توفيقا بين الدليلين بقدر الامكان ثم كثير المستقاء ولا يتفرغ عليه العدد والاعادة لأن الصوم قد فسد بالاستقاء وكذا قليله فى قول محمد لأن عنده فسد الصوم بنفس الاستقاء وان كان قليلا.
وأما على قول أبى يوسف فان عاد لا يفسد أن أعاده (١).
ففيه عن أبى يوسف روايتان فى رواية يفسد وفى رواية لا يفسد وما وصل الى الجوف أو الى الدماغ من المخارق الأصلية كالأنف والأذن والدبر بان استقطر أو احتقن أو أقطر فى أذنه فوصل الى الجوف أو الى الدماغ فسد صومه أما اذا وصل الى الجوف فلا شك فيه لوجود الأكل من حيث الصورة وكذا اذا وصل الى الدماع لأنه له منفذا الى الجوف فكان بمنزلة زاوية من زوايا الجوف.
وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال للقيط بن صبرة بالغ فى المضمضة والاستنشاق الا أن تكون صائما ومعلوم أن استثناءه حالة الصوم بلا احتراز عن فساد الصوم والا لم يكن للاستثناء معنى ولو وصل الى الرأس ثم خرج لا يفسد بأن استعط بالليل ثم خرج بالنهار لأنه لما خرج علم أنه لم يصل الى الجوف أو لم يستقر فيه وأما ما وصل الى الجوف أو الى الدماغ عن غير المخارق الأصلية بأن داوى الجائفة والامة فان دواها بدواء يابس لا يفسد لأنه لم يصل الى الجوف ولا الى الدماغ ولو علم أنه وصل يفسد فى قول أبى حنيفة وان دواها بدواء رطب يفسد عند أبى حنيفة ولا يفسد عندهما لأنهما اعتبر المخارق الأصلية لأن الوصول الى الجوف من المخارق الأصلية متيقن به ومن غيرها مشكوك فيه فلا يحكم بالفساد مع الشك.
ولأبى حنيفة أن الدواء اذا كان رطبا فالظاهر هو الوصول لوجود المنفذ الى الجوف فيبنى الحكم على الظاهر.
وأما الافطار فى الأحليل فلا يفسد فى قول أبى حنيفة وعندهما يفسد قيل أن الاختلاف بينهم بناء على أمر خفى وهو كيفية خروج البول من الأحليل فعندهما أن خروجه منه لأن له منفذا فاذا قطر فيه يصل الى الجوف كالاقطار فى اذن.
وعند أبى حنيفة أن خروج البول منه من طريق الترشح كترشح الماء من الخزف الجديد فلا يصل الاقطار فيه الى الجوف والظاهر أن البول يخرج منه خروج الشئ من منفذه كما قالا.
وروى الحسن عن أبى حنيفة مثل قولهما وعلى هذه الرواية اعتمد أستاذى رحمه الله تعالى.
وذكر القاضى فى شرحة مختصر الطحاوى وقول محمد مع أبى حنيفة وأما الاقطار فى قبل المرأة.
(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكسائى ج ٢ ص ٩١، ٩٢.