للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعديلهم فيما يجتمعون عليه، وحينئذ فتجب عصمتهم عن الخطأ قولا وفعلا صغيرة وكبيرة، لأن الله تعالى، يعلم السر والعلانية، فلا يعدلهم مع ارتكابهم بعض المعاصى، بخلاف تعديلنا فإنه قد لا يكون كذلك لعدم اطلاعنا على الباطن (١)».

وقد دار فى هذه الآية نقاش كثير كالآية الأولى تراه مفصلا فى كتب الأصول، ومن ذلك ما ذكره الإسنوى فى شرحه على المنهاج إذ يقول «لقائل أن يقول أن الآية لا تدل على المدعى، لأن العدالة لا تنافى صدور الباطل غلطا ونسيانا، ولو سلمنا أن كل ما أجمعوا عليه حق، فلا يلزم المجتهد أن يفعل كل ما هو حق فى نفسه بدليل أن المجتهد لا يتبع مجتهدا آخر، وإن قلنا كل مجتهد مصيب (٢)».

ويقول الشوكانى بعد أن أورد مناقشات الموافقين والمخالفين فى دلالة هذه الآية:

«ولا يخفاك ما فى هذه الأجوبة من الضعف - يريد أجوبة المستدلين بالآية على ما أثير عليهم من اعتراضات - وعلى كل حال فليس فى الآية دلالة على محل النزاع أصلا، فإن ثبوت كون أهل الإجماع بمجموعهم عدولا لا يستلزم أن يكون قولهم حجة شرعية، فإن ذلك أمر إلى الشارع لا إلى غيره، وغاية ما فى الآية أن يكون قولهم مقبولا اذا أخبرونا عن شئ من الأشياء. وأما كون اتفاقهم على أمر دينى يصير دينا ثابتا عليهم وعلى من بعدهم إلى يوم القيامة فليس فى الآية ما يدل على هذا، ولا هى مسوقة لهذا المعنى ولا تقتضيه بمطابقة ولا تضمن ولا التزام (٣)».

يريد أنها لا تقتضيه بأى وجه من وجوه الدلالة الثلاثة المعروفة.

ولذلك أسقط‍ الاستدلال بهذه الآية بعض المؤلفين مع شدة تمسكهم بالحجية كابن الحاجب فى مختصره، وابن قدامة الحنبلى فى روضة الناظر، وأوردها بعضهم معقبا بأن الاستدلال بها لا يفيد قطعا ولا ظنا قويا (٤)، وبعضهم معقبا أنها لا تفيد إلا ظنا (٥).

الآية الثالثة قوله تعالى: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ٦»}.

والاستدلال بها من حيث أنها جملة خبرية تصفهم بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، والألف واللام فى المعروف والمنكر للعموم لأنها داخلة على اسم جنس، فهم إذن يأمرون بكل معروف، وينهون عن كل منكر، فمن خالف فيما أمروا به أو نهوا عنه فقد خالف طريقتهم، فيكون مبطلا


(١) شرح الإسنوى على المنهاج ص ٨٧٣، ٨٧٤ ج‍ ٣ والأحكام للآمدى ص ٣٠٢ ج‍ ١ وهداية العقول للزيدية ص ٥٠١ ج‍ ٢ وشرح المنار ص ١٠٩ ج‍ ٢.
(٢) ص ٨٧٤ ج‍ ٣ من شرح الإسنوى.
(٣) ص ٧٣ من إرشاد الفحول.
(٤) انظر شرح طلعة الشمس فى أصول الإباضية ص ٩٧ ج‍ ٢.
(٥) مسلم الثبوت وشرحه ص ٢١٦، ٢١٧ ج‍ ٢.
(٦) سورة آل عمران: ١١٠.