للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صرحت بذلك الآية الكريمة «وأبتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فأدفعوا اليهم أموالهم» .. وقد فسر ابن عباس الرشد بأنه صلاح العقل وحفظ‍ المال. وذلك يختلف باختلاف الاشخاص والبيئات. فكلما تعقدت المعاملات ودقت نظم الاقتضاء تأخر الرشد والندرة على المحافظة على المال من الضياع.

جاء فى شرح القانون المدنى للمرحوم فتحى زغلول باشا «المولود يولد فاقد الأهلية» ويبقى كذلك الى أن يبلغ سن التمييز ثم يدخل فى دور جديد هو دور التمييز الا ان عقله وملكاته لا يزالان غضين فلا يقوى على تقدير الافعال التى تصدر منه أو يتعمد فعلها بالتقدير صحيحا. ثم هو لا يصل الى هذه المرتبة الا بعد ان تنضج قوته العاقلة ويكون له بعض الخبرة حتى يؤمن على ادارة أمواله بنفسه ومعلوم ان بلوغ هذه المرتبة لا يتم للجميع بصورة واحدة ولا فى زمن واحد ..

بل هم مختلفون فى ذلك اختلافا كبيرا .. الا أن منافع الناس وضرورة الأمن فى المعاملات والحاجة الى وضع حد تنتهى اليه حال الانسان ويخرج ببلوغه من دور التردد الى دور العمل.

كل ذلك قضى بتقدير الزمن الذى يخلص فيه كل واحد من ذلك الحجر. وتتم له الاهلية.

والشرائع مختلفة فى تقدير هذا الزمن.

فمنها ما جعله اثنى عشرة سنة للانثى وأربع عشرة سنة للذكر كما فعل الرومانيون فى البداية منذ كانت الأمة فى نشأتها الاولى ساذجة الأخلاق قليلة العدد أيام ان كانت المراقبة شديدة فى مراقبة الأولاد. وكانت الروابط‍ العائلية قوية كافية لحمايتهم وتدارك ما قد يفرط‍ منهم من الأعمال قبل استفحال الضرر.

فلم يكن من باعث يحمل الشارع على الابطاء بمنع الاهلية الكاملة والولد محوط‍ بهذه العنايات كلها فلما ازدحم المجتمع بأهله وكثر المال وتنوعت الرغبات والمطالب وتشعبت أعمال الانسان وامتدت اطماعه الى أبعد من داره وعشيرته ووهن رباط‍ العائلة بضغط‍ تلك المؤثرات ظهرت مضار التعجيل باقرار الأهلية واضطر الشارع الى تأجيل زمانها فجعله خمسا وعشرين سنة ومن الشرائع ما وقف عند الحادية والعشرين. ومنها ما اقتصر على تسع عشرة سنة ..

وقد كان الفقهاء المسلمون ينظرون الى الرشد الذى جعله القرآن مناط‍ دفع اموال اليتامى اليهم نظرة تقديرية ويتركون امر التقدير الى القضاء ونتيجة لاختبار فعل البلوغ. ولكن جاء المشرع المصرى فجعل سن الرشد ثمانى عشرة سنة مستأنسا بآراء بعض الفقهاء المجتهدين فى تحديد سن البلوغ. وكان العمل على ذلك فى المحاكم ثم فى المجالس الحسبية الى سنة ١٩٢٥ حيث رفع هذا السن الى احدى وعشرين سنة فى القانون الصادر فى ١٣ اكتوبر سنة ١٩٢٥ بالنسبة للولاية المالية فقط‍ أما بالنسبة للولاية على النفس والزواج وما يتصل بذلك مما يختص به المحاكم الشرعية فيطبق فيه أرجح الاقوال من مذهب أبى حنيفة بمقتضى نص صريح من لائحتها - وذلك كأن زواج السفيه صحيحا وكان طلاقه واقعا - وكذلك الصغير الذى بلغ البلوغ الشرعى تكون له الولاية على نفسه، وتكون الولاية على ماله لولى المال.

والجنون مرض يمنع العقل من ادراك الأمور على وجهها الصحيح ويصحبه اضطراب