حمل هذا الجواب على ما اذا كان لها زوج لأنه اذا كان لها زوج كان فى تصحيح دعوتها حمل النسب على الغير فلا تصح الا بالبينة أو بتصديق الزوج فأما اذا لم يكن لها زوج فلا يتحقق معنى التحميل فيصح من غير بينة ومنهم من حقق جواب الكتاب وأجرى رواية الأصل على اطلاقها وفرق بين الرجل والمرأة فقال: يثبت نسبه من الرجل بنفس الدعوة ولا يثبت نسبه منها الا ببينة ووجه الفرق ان النسب فى جانب الرجال يثبت بالفراش وفى جانب النساء يثبت بالولادة ولا تثبت الولادة الا بدليل وأدنى الدلائل عليها شهادة القابلة، ولو ادعته امرأتان فهو ابنهما عند أبى حنيفة وكذا اذا كن خمسا عنده وعندهما لا يثبت نسب الولد من المرأتين أصلا ووجه قولهما ان النسب فى جانب النساء يثبت بالولادة وولادة ولد واحد من امرأتين لا يتصور فلا يتصور ثبوت النسب منهما بخلاف الرجال لأن النسب فى جانبهم يثبت بالفراش ولأبى حنيفة ان سبب ظهور النسب هو الدعوة وقد وجدت من كل واحدة منهما وما قالا ان الحكم فى جانبهم متعلق بالولادة فنعم لكن فى موضع أمكن فيه اثبات ذلك وهنا لا يمكن فتعلق بالدعوة وقد ادعياه جميعا فيثبت نسبه منهما وعلى هذا لو ادعاه رجل وامرأتان يثبت نسبه من كل عنده - وعندهما يثبت من الرجل لا غيره، ولو ادعاه رجلان وامرأتان كل رجل يدعى انه ابنه من هذه المرأة والمرأة صدقته فهو ابن الرجلين والمرأتين عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما ابن الرجلين لا غير وما مر انما هو فى ظهور النسب بالدعوة أما ظهوره بالبينة فقد قال فى البدائع (١):
البينة يظهر بها النسب مرة ويتأكد ظهوره أخرى فكل نسب يجوز ثبوته من المدعى اذا لم يحتمل الظهور بالدعوة أصلا لا بنفسها ولا بقرينة التصديق بأن كان فيه حمل النسب على الغير ونحو ذلك يظهر بالبينة وكذا ما احتمل الظهور بالدعوة لكن بقرينة التصديق اذا انعدم التصديق وظهر أيضا بالبينة وكل نسب يحتمل الظهور بنفس الدعوة بتأكد ظهوره بالبينة كما اذا ادعى اللقيط رجل، الملتقط أو غيره وثبت نسبه من المدعى ثم ادعاه رجل آخر وأقام البينة يقضى له لأن النسب وان ظهر بنفس الدعوة لكنه غير مؤكد فاحتمل البطلان بالبينة وكذا لو ادعاه رجلان معا ثم أقام أحدهما البينة فصاحب البينة أولى لما قلنا واذا تعارضت البينتان فى النسب فالأصل فيه ما ذكرنا فى تعارض البينتين على الملك انه ان أمكن ترجيح احداهما على الأخرى يعمل بالراجح وان تعذر الترجيح يعمل بهما الا أن هناك اذا تعذر الترجيح يعمل بكل واحدة منهما من وجه بقدر الامكان وهنا يعمل بكل واحدة منهما من كل وجه ويثبت النسب من كل واحد من المدعيين لامكان اثبات النسب لولد واحد من اثنين على الكمال واستحالة كون الشئ الواحد مملوكا لاثنين على الكمال فى زمان واحد، اذا عرفنا هذا فنقول: جملة الكلام فيه ان تعارض البينتين فى النسب اما أن يكون بين الخارج وبين ذى اليد واما أن يكون بين الخارجين وبين ذى اليد فان كان بين الخارج وذى اليد فبينة ذى اليد أولى لأنهما
(١) المرجع السابق لابن مسعود الكاسانى ج ٦ ص ٢٥٤، ٢٥٥ وما بعدها الطبعة السابقة.