للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وان لم يقصد اليها ولا الى أثرها صحت كذلك من المكره ولا يكون عدم قصده مفسدا لها.

ويرى الحنفية مع هذا أن فساد الالتزام عند الاكراه عليه، فساد يرتفع بزوال سببه فاذا أجازه الملتزم بعد زوال الاكراه صح دون حاجة الى تجديده خلافا لما ذهب اليه كثير من الفقهاء كالحنابلة وجمهور الشافعية اذ ذهبوا الى أنه باطل لا يقبل تصحيحا.

ووجه ما ذهب اليه الحنفية أن المكره وان لم يقصد بعبارته تحقيق أثرها الشرعى، الا أنه قصد التلفظ‍ بالعبارة فصدرت منه صحيحة لأنها صادرة من أهلها فى محلها ولا ينقصها الا الرضى بأثرها وليس ما يمنع من أن يتحقق الرضى بعد صدورها فيصححها اذا تحقق وهذا خلاف ما ذهب اليه سائر المذاهب من أن التزام المكره باطل لا يقبل تصحيحا (ينظر مصطلح اكراه).

وكذلك لا يصح التزام السكران لعدم قصده مطلقا ذهب الى ذلك فريق من المالكية وآخرون من الحنابلة وفرق الجمهور بين أن يكون قد سكر بمحرم فيلزمه ما التزم به وحكمه فى هذه الحال حكم العاصى المتعقل لاقدامه على السكر وهو يعلم عاقبة أمره من زوال عقله فكان بذلك راضيا وقاصدا لما يصدر منه - وبين أن يكون سكر بما ليس بمحظور - كتناوله المسكر للتداوى أو لازالة غصة أو نحو ذلك حيث لا يجد خلافه فيكون حكمه فى هذه الحال حكم المجنون لا يصح منه التزام.

وذهب الظاهرية الى أن التزام السكران مطلقا غير صحيح (١) (ينظر مصطلح سكران).

وكذلك يشترط‍ فى الملزم - أى من وجه اليه الالزام وهو ما ينتهى أمره الى أن يكون ملتزما - لما يلزم به والقدرة عليه وذلك نظرا الى ما فى الالزام من معنى الايجاب والتكليف ولا تكليف الا مع القدرة والمراد بالقدرة ما يتمكن بها الملتزم من أداء ما لزمه وهى شرط‍ فى وجوب الأداء عليه لا شرط‍ فى أصل الوجوب وشغل الذمة الذى هو أثر للالزام اذ أن التزام الشخص يكون بشغل ذمته بما التزم به وذلك يستلزم ذمته أيضا بأدائه عند توافر شروطه - وقدرة الملتزم انما شرطت فى وجوب الأداء لا فى أصل الوجوب فالمدين الميسر مشغولة ذمته بالدين وليست مشغولة بالأداء لقوله تعالى: «فَنَظِرَةٌ إِلى ٢ مَيْسَرَةٍ» فاذا أيسر شغلت ذمته بالأداء أيضا. كما أن الكفيل على القول الأرجح عند الحنفية مشغولة ذمته بالأداء دون الوجوب لأن الكفالة على هذا الرأى ضم ذمة الى ذمة فى المطالبة بالدين والمطابلة انما هى أثر لوجوب الأداء. ولذا صدر الالتزام من جانب واحد بأن ألزم شخص نفسه بشئ اعتبر ذلك من قبيل التبرع كما فى العقد من جانب واحد اذ يتم الالتزام بايجابه دون توقف على قبول


(١) المغنى ج‍ ٧ ص ١١٤ فتح القدير ج‍ ٣ ص ٣٤٥ المحلى ج‍ ١٠ ص ٢٠٩، ج‍ ٨ ص ٤٩ النيل ج‍ ٣ ص ٦٢٣ الأزهار ج‍ ٣ ص ٣٥ المدونة ج‍ ٦ ص ٥٢ الام ج‍ ٣ ص ٢٠٩ المحلى ج‍ ٨ ص ٤٩ وج‍ ٩ ص ١٩، ص ٢٠ ومذهب الشيعة تحرير الأحكام ج‍ ٢ ص ٩٨ - ١٠٧
(٢) الآية رقم ١٨٠ من سورة البقرة.