للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيها برص عقوبة على كذبها وهذا لا يقتضيه قياس ولا يهتدى اليه رأى، فالظاهر أنه لا يقوله الا توقيفا، ولنا ما روى عقبة بن الحارث قال تزوجت أم يحيى بنت أبى اهاب فجاءت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال «وكيف وقد زعمت ذلك»؟ متفق عليه وفى لفظ‍ رواه النسائى قال فأتيته من قبل وجهه فقلت انها كاذبة قال «كيف وقد زعمت انها ارضعتكما؟ خل سبيلها وهذا يدل على الاكتفاء بالمرة الواحدة ويقبل فيه شهادة المرضعة على فعل نفسها لما ذكر من حديث عقبة من أن الأمة السوداء قالت قد أرضعتكما فقبل النبى صلّى الله عليه وسلّم شهادتها ولانه فعل لا يحصل لها منه نفع مقصود ولا تدفع عنها به ضررا فقبلت شهادتها كفعل غيرها فان قيل فانها تستبيح الخلوة به والسفر معه وتصير محرما له. قلن ليس هذا من الأمور المقصودة التى ترد بها الشهادة الا ترى أن رجلين لو شهدا ان فلانا طلق زوجته واعتق امته قبلت شهادتهما وان كان يحل لهما نكاحهما بذلك (١).

ولا تقبل الشهادة على الرضاعة الا مفسرة فلو قالت أشهد أن هذا ابن هذه من الرضاعة لا يقبل لأن الرضاع المحرم يختلف الناس فيه منهم من يحرم بالقليل ومنهم من يحرم بعد الحولين فلزم الشاهد تبيين كيفيته ليحكم الحاكم فيه باجتهاده فيحتاج الشاهد أن يشهد ان هذا قد ارتضع من ثدى هذه خمس رضعات متفرقات خلص اللبن فيهن الى جوفه فى الحولين.

فان قيل خلوص اللبن الى جوفه لا طريق له الى مشاهدته فكيف تجوز الشهادة؟ قلن اذا علم ان هذه المرأة ذات لبن ورأى الصبى قد التقم ثديها وحرك فمه فى الامتصاص وحلقه فى الاجتراع حصل ظن يخرج الى اليقين ان اللبن قد وصل الى جوفه، وما يتعذر الوقوف عليه بالمشاهدة اكتفى فيه بالظاهر كالشهادة فى الملك وثبوت الدين فى الذمة والشهادة على النسب بالاستفاضة ولو قال الشاهد ادخل رأسه تحت ثيابها والتقم ثديها لا يقبل، لأنه قد يدخل رأسه ولا يأخذ الثدى وفد يأخذ الثدى ولا يمص فلا بد من ذكر ما يدل عليه.

وان قال أشهد أن هذه أرضعت هذا فالظاهر أنه يكتفى بثبوت أصل الرضاعة لأن المرأة التى قالت قد أرضعتكما اكتفى بقولها (٢). واذا تزوج امرأة ثم قال قبل الدخول هى اختى من الرضاعة انفسخ النكاح. فان صدقته المرأة فلا مهر لها وان كذبته فلها نصف المهر وجملته أن الزوج اذا أقر أن زوجته اخته من الرضاعة انفسخ نكاحه ويفرق بينهما لأنه أقر بما يتضمن تحريمها عليه فلا يقبل رجوعه عنه كما لو أقر بالطلاق ثم رجع وأقر أن أمته أخته من النسب، وهذا الكلام فى الحكم فأما فيما بينه وبين ربه فينبنى ذلك على علمه بصدقه. فان علم أن الأمر كما قال فهى محرمة عليه ولا نكاح بينهما وان علم كذب نفسه فالنكاح باق بحاله وقوله كذب لا يحرمها عليه لان المحرم حقيقة الرضاع لا القول وان شك فى ذلك لم ينزل عن اليقين بالشك. وقيل فى حلها له اذا علم كذب نفسه


(١) المغنى ح‍ ٩ ص ٢٢٢، ٢٢٣ - نفس الطبعة السابقة.
(٢) نفس المرجع ص ٢٢٤ نفس الطبعة السابقة.