للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما الحاجة إلى فرض الإمامة لتنفيذ الإِمام عهود الله تعالى الواردة إلينا على من عنده فقط لا لأن يأتى الناس بما لا يشاؤونه في معرفته من الدين الذي أتاهم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ..

ووجدنا عليّا رضى الله عنه إذ دعى إلى التحاكم إلى القرآن .. أجاب وأخبر أن التحاكم إلى القرآن حق .. فإن كان على أصاب في ذلك فهو قولنا .. وإن كان أجاب إلى الباطل فهذه غير صفته رضى الله عنه .. ولو كان التحاكم إلى القرآن لا يجوز بحضرة الإِمام لقال عليّ حينئذ: كيف تطلبون تحكيم القرآن وأنا الإمام المبلغ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ..

فإن قالوا إذا مات رسول - صلى الله عليه وسلم - فلابد من إمام يبلغ الدين .. قلنا هذا باطل ودعوى بلا برهان، وقول لا دليل على صحته ..

وإنما الذي يحتاج إلية أهل الأرض من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيانه وتبليغه فقط سواء في ذلك من كان بحضرته ومن غاب عنه ومن جاء بعده .. إذ ليس في شخصه - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يتكلم بيان عن شئ فالمراد منه عليه الصلاة والسلام كلام باق أبدًا مبلغ إلى كل من في الأرض .. وأيضا فلو كان ما قالوا من الحاجة إلى إمام موجود أبدًا يبلغ ويعلم لانتفض ذلك بمن كان غائبًا عن حضرة الإمام في أقطار الأرض إذ لا سبيل إلى أن يشاهد الإمام جميع أهل الأرض الذين في المشرق والمغرب من فقير وضعيف وامرأة ومريض ومشغول بمعاشه الذي يضيع إن أغفله فلابد من التبليغ عن الإمام فالتبليغ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى بالإتباع من التبليغ عمن هو دونه .. وهذا ما لا إنفكاك لهم منه ..

وأيضًا فإن الإِمام المعصوم لا يعرف أنه معصوم إلا بمعجزة ظاهرة عليه أو بنص تنقله العلماء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على كل إمام بعينه واسمه ونسبه وإلا فهى دعوى لا يعجز عن مثلها أحد لنفسه أو لمن شاء ..

وبرهان آخر هو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات وجمهور الصحابة رضى الله عنهم موجودون من حوله حاشا من كان منهم في الجهات يعلم الناس الدين فما منهم أحد أشار إلى عليّ بكلمة يذكر فيها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نص عليه ولا ادعى ذلك عليّ قط لا في ذلك الموقف ولا بعده ولا ادعاه له أحد في ذلك الوقت ولا بعده … ومن المحال الممتنع الذي لا يمكن البته أن يتفق أكثر من عشرين ألف إنسان مختلفين على طى عهد عاهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ..

ووجدنا عليا رضى الله عنه تأخر عن بيعة أبى بكر ستة أشهر فما أكرهه أبا بكر ولا غيره على البيعة حتى بايع طائعا غير مكره .. فكيف حل لعلى رضى الله عنه عند هؤلاء القوم أن يبايع طائعا رجلا إن كان كافرا وإما فاسقا جاحدًا لنص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعينه على أمره ويجالسه ويواليه إلى أن مات ثم يبايع بعده عمر بن الخطاب مبادرًا غير متردد ساعة فما فوقها غير مكره، بل طائعًا مختارًا وصحبه وأعانه على أمره وأنكحه من ابنته فاطمة رضى الله عنها ثم قيل إدخاله في الشورى أحد ستة رجال فكيف حل لعلى عند هؤلاء الجهال أن يشارك بنفسه في شورى ضلال وكفر وتغر الأمة هذا الغرور .. وهذا في منطقهم يؤدى إلى تكفير على رضى الله عنه لأنه في زعمهم أعان الكفار على كفرهم وأيدهم في كتمان الديانة وفى ما لا يتم الدين إلا به ..

ولا يجوز أن يظن بعلى أنه أمسك عن ذكر النص عليه خوف الموت وهو الأسد شجاعة قد عرض نفسه للموت بين يدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -