مرات ثم يوم الجمل وصفين فما الذي أجبته بين هاتين الحالتين .. وما الذي ألف بين بصائر الناس على كتمان حق علي ومنعه ما هو أحق به مذ مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى أن قتل عثمان رضى الله تعالى عنه .. ثم ما الذي جلى بصائرهم في عونه إذا دعا إلى نفسه فقامت معه طوائف من المسلمين عظيمة ..
وبذلوا دماءهم دونه ورأوه حينئذ صاحب الأمر والأولى بالحق ممن نازعه .. ثم ولى علي فما غير حكمًا من أحكام أبى بكر وعمر وعثمان ولا أبطل عهدًا من عهودهم .. ولو كان ذلك عنده باطلا لأنهم كتموا النص واغتصبوا حقه لما كان في سعة من أن يمضى الباطل وينفذه .. وقد ارتفعت التقية .. وأيضًا فإن كان جميع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اتفقوا على جحد ذلك النص وكتمانه ..
واتفقت طبائعهم كلهم على نسيانه فمن أين وقع للروافض أمره .. ومن بلغه إليهم ورواه لهم .. وكل هذا محال فبطل أمر النص على عليّ رضى الله عنه بيقين لا إشكال فيه ..
فإن قيل أن عليا رضى الله عنه كان قد قتل الأقارب بين يدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى الحروب التي جرت في عهده عليه الصلاة والسلام فقوله له بذلك حقد في قلوب جماعة من الصحابة هم الذين قتل أقاربهم ولذلك انحرفوا عنه وكتموا النص عليه. قيل أن هذا تمويه كاذب. لأنه إن كان قد قتل أشخاصا من بعض القبائل فأغرى ذلك من كان من هذه القبائل بالحقد عليه ..
فإنه بالقطع لم يقتل أحدًا من القبائل الأخرى .. وهؤلاء قد وقفوا منه نفس الموقف الذي وقفه أولئك ولم يذكروا نصا عليه كما لم يذكر أولئك .. فما الذي أغرى هؤلاء الذين لم يقتل من قبائلهم أحدًا بالحقد عليه وعدم ذكر النص عليه ثم هؤلاء الأنصار من المقطوع به أنه لم يقتل أحدًا منهم .. بل لم يؤذ أحدًا منهم وقد وقفوا منه نفس الموقف ولم يذكروا نصا عليه. وكانوا مع زعيمهم سعد بن عبادة أولا ثم لما تبين لهم الحق انحازوا جميعا إلى أبى بكر وعمر وعثمان .. فهل أغراهم حقد على عليّ، أو وقف غيظ منه دون معاونتهم له؟ ولا شئ إلا الحق الأبلج … ولقد كان لأبى بكر رضى الله عنه في مضادة قريش في الدعاء إلى الإِسلام ما لم يكن لعلى فما منع ذلك من بيعته، وهو أسوأ أثرا عنه كفارهم .. ولقد كان لعمر بن الخطاب رضى الله عنه في مغالبة كفار قريش وإعلانه الإِسلام على رغمهم ما لم يكن لعلى رضى الله عنه ولم يحقد عليه أحد ولم يمتنع من بيعته .. فما الذي أوجب أن ينسى هؤلاء ذلك كله ولا يبقى للحقد أثر في نفوسهم إلا بالنسبة لعلى فقط لا لشئ إلا جهل الرافضة الذي جعلهم يعدون بعض أسماء لكبار الصحابة ويقولون إنهم لم يبايعوا عليا إذ ولى الخلافة ثم بايعوا معاوية ويزيدًا ابنه من أدركه منهم .. وما ذلك إلا لحقدهم وكراهيتهم له … ولم يكن هناك شئ مطلقا مما تخيلوه وتخبطوا فيه ..
وإنما كان هؤلاء الصحابة الذين ذكروا أسماءهم لا يردن بيعة في فرقة وكانت فرقة واختلاف في خلافة علي وبيعته فلما اتفق المسلمون على ما اتفقوا عليه كائنا من كان دخلوا في الجماعة …
وهكذا كان شأنهم مع ابن الزبير رضى الله عنه مروان .. فإنهم قعدوا عن مبايعتهما من أدركهما منهم ولما انفرد عبد الملك بن مروان بايعه منهم من أدركه لا رضا عنه ولا عداوة