لابن الزبير ولا تفضيلا لعبد الملك على ابن الزبير، ولكن لما ذكر من مذهبهم أنه لا بيعة في فرقة.
إن اتفاق جميع الأمة أولها عن آخرها من برقة إلى أول خراسان ومن الجزيرة إلى أقصى اليمن على السكوت عن حق علي بعد أن بلغهم النص عليه، واجتماعهم على ظلمه، ومنعه من حقه، وليس هناك شئ يخافونه لأحدى عجائب المحال الممتنع ..
ثم العجب إذا كان غيظهم عليه هذا الغيظ، واتفاقهم على جحد حقه هذا الاتفاق كيف تورعوا عن قتله ليستريحوا منه، أم كيف أكرموه وبروه وادخلوه في الشورى.
فإن قالوا: قد أقررتم أنه لابد من إمام .. فبأى شئ يعرف الإمام وأنتم خاصة معاشر أهل الظاهر لا تأخذون إلا بنص من قرآن أو خبر صحيح، وهذا أيضا مما سألنا عنه أصحاب الرأى والقياس .. فالجواب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نص على وجوب الإمامة، وأنه لا يحل بقاء ليلة دون بيعة وافترض علينا بنص قوله الطاعة للقرشى إماما واحدًا لا ينازع إذا قادنا بكتاب الله عز وجل. فصح من هذه النصوص النص على صفة الإمام الواجب طاعته لما صح النص على صفة الشهود في الأحكام وصفة المساكين والفقراء الواجبة لهم الزكاة وصفة من يؤم في الصلاة وصفة من يجوز نكاحها من النساء وكذلك سائر الشريعة كلها ولا يحتاج إلى ذكر الأسماء إذ لم يكلفنا الله عز وجل ذلك .. فكل قرشى بالغ عاقل بادر إثر موت الإمام القائم الذي لم يعهد إلى أحد فبايعه واحد فصاعدا فهو الإِمام الواجب طاعته ما قادنا بكتاب الله تعالى وبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أمر الكتاب بإتباعها. فإن زاغ عن شئ منهما منع من ذلك .. وأقيم عليه الحد فيما يرتكب من موجباته. فإن لم يكف أذاه ألا يخلعه خلع وولى غيره ..
فإن قالوا: قد اختلف الناس في تأويل القرآن والسنة ومنع من تأديتهما بغير نص آخر .. قلنا إن التأويل الذي لم يقم عليه برهان .. تحريف للكلم عن مواضعه، وقد جاء النص بالمنع من ذلك وليس الاختلاف حجة .. إنما الحجة في نص القرآن والسنة، وما اقتضاه لفظهما العربى الذي خوطبنا به وألزمتنا الشريعة بإتباعه ..
ثم نسألهم فنقول لهم إن عمدة احتجاجكم في إيجاب إمامتكم التي تدعيها جميع فرقكم وجهان ..
أحدهما النص عليه باسمه ..
والثانى شدة الحاجة في بيان الشريعة إذ علمها عنده لا عند غيره .. ولا مزيد على ذلك فأخبرونى بأى شئ صار محمد الباقر بن على بن الحسين أولى بالإمامة من إخوته زيد وعمرو وعبد الله وعلى والحسين ..
فإن ادعوا نصا من أبيه عليه أو من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الإمام هو الباقر لم يكن ذلك ببدع من كذبهم .. ولم يكونوا أولى بتلك الدعوى من الكيسانية في دعواهم النص على محمد بن الحنفية .. وإن ادعوا أن الباقر كان أفضل من إخوته كانت أيضا دعوى بلا برهان .. والفضل لا يقطع على ما عند الله عز وجل فيه بما يبدو من الإنسان فقد يكون باطنه خلاف ظاهره وكذلك يسألون ما الذي جعل موسى الكاظم بن جعفر الصادق أولى بالإمامة من أخيه محمد أو إسحاق أو على .. فلا يجدون إلى غير الدعوى سبيلا ..
وهكذا يتردد السؤال بالنسبة لمن ادعوا إمامتهم من الأشخاص - ليس لديهم سوى الدعوة التي لو ادعى مثلها مدع لأى واحد من أي قوم