لم يكن بينهم هذه الأحقاد ولم ينكروا عن الصحابة إلا الكمالات ..
الوجه الأول: من وجوه استدلال الشيعة على إمامة على رضى الله عنه الدليل العقلى. وتقريره: أنه لا نزاع في أحد بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إماما وليس هذا الإِمام غير على لأن الإمام يجب أن يكون معصوما ومنصوصا عليه وأفضل أهل زمانه.
ولا يوجد شئ من ذلك في باقى الصحابة. أما العصمة والنص فبالاتفاق .. وأما الأفضلية قلما سيأتي. وهذا يمكن أن يجعل أدلة ثلاثة بحسب الشروط .. والجواب:
أولا: منع الاشتراط.
ثانيا: منع انتفاء الشرائط في أبى بكر رضى الله عنه.
الوجه الثاني: الدليل النقلى من الكتاب الكريم وتقريره أن قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} نزلت بإتفاق المفسرين في علي بن أبي طالب رضى الله عنه حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته ..
وكلمة إنما للحصر بشهادة النقل والاستعمال والولى كما جاء بمعنى الناصر فقد جاء بمعنى المتصرف والأولى والأحق بذلك.
يقال: أخو المرأة وليها .. والسلطان ولى من لا ولى له، وفلان ولى الدم، وهذا هو المراد ههنا لأن الولاية بمعنى النصرة تعم جميع المؤمنين لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} فلا يصح حصرها في المؤمنين الموصوفين بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة حال الركوع.
والمتصرف من المؤمنين في أمر الأمة يكون هو الإمام فتعين على رضى الله عنه لذلك .. إذا لم توجد هذه الصفات في غيره ..
والجواب: منع كوني الولى بمعنى المتصرف في أمر الدين والدنيا والأحق بذلك على ما هو خاصة للإمام بل الولى بمعنى الناصر والموالى المحب على ما يناسب ما قبل الآية وما بعدها .. وهو قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}.
فإنما الحصر إنما يكون بإثبات ما نفى عن الغير .. وولاية اليهود والنصارى المنهى بحق اتخاذها ليست هي التعرف والإمامة بل النصرة المحبة .. وقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} وقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} لظهور أن ذلك تولى محبة ونصرة لا إمامة ..
وبالجملة لا يخفى على من تأمل في سياق الآية وكان له معرفة بأساليب الكلام - أن ليس المراد بالولى ههنا ما يقتضى الإمامة - بل الموالاة والنصرة والمحبة .. ثم وصف المؤمنين بما ذكر يجوز أن يكون للمدح والتعظيم دون التقييد والتخصيص وأن يكون لزيادة شرف الموصوفين واستحقاقهم أن يتخذوا أولياء وأولويتهم بذلك وقربهم ونظرتهم وشغفتهم الحاملة على النصرة وقوله وهم راكعون كما يحتمل الحال يحتمل العطف بمعنى أنهم يركعون في صلاتهم لا كصلاة اليهود خالية من الركوع ..