أو بمعنى أنهم خاضعون .. على أن ههنا وجوها أخرى من الاعتراض .. منها أن النصرة وإن كانت عامة لكن إذا أضيفت إلى جماعة مخصوصة من المؤمنين فبالضرورة تختص بمن عداهم لأن الإِنسان لا يكون ناصرًا لنفسه .. وكأنه قيل لبعض المؤمنين .. إنما ناصركم البعض الآخر فالخطاب خاص ببعض المؤمنين - والمؤمنون الموصوفون هم من عداهم ومنها أن الذين آمنوا صيغة جمع فلا يصرف إلى الواحد إلا بدليل ..
وقول المفسرين أن الآية نزلت في حق على لا يقتضى اختصاصها به واقتصارها عليه .. ودعوى انحصار الأوصاف فيه مبنى على جعل {وَهُمْ رَاكِعُونَ} حالا من ضمير يؤمنون وليس بلازم. ومنها أنه لو كانت في الآية دلالة على إمامة على رضى الله عنه لما خفيت على الصحابة عامة وعلى على خاصة .. ولما تركوا الانقياد لها والاحتجاج بها ..
الوجه الثالث: ما يدعون فيه التواتر من الأخبار .. أما حديث العذير فهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جمع الناس يوم غذير ضم (موضع بين مكة والمدينة بالجحفة) وذلك بعد رجوعه من حجة الوداع وكان يوما صائفا حتى إن الرجل ليضع رداءه تحت قدميه من شدة الحر. وجمع الرحالة وصعد عليها عليه السلام وقال مخاطبًا:
"معاشر المسلمين: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: اللهم بلى .. قال: فمن كنت مولاه فعلى مولاه .. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله" .. وهذا حديث متفق على صحته أورده على يوم الشورى عندما حاول ذكر فضائله ولم ينكره أحد ..
ولفظ المولى قد يراد به المعتِق والمعتَق والحليف والجار وابن العم والناصر والأولى بالتصرف .. قال الله تعالى:{مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ} أي أولى بكم .. ذكره أبو عبيدة. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن مولاها .. أي الأولى بها والمالك لتدبير أمرها .. ومثله في الشعر كثير وبالجملة استعمال الولى بمعنى المتولى والمالك للأمر والأولى بالتصرف شائع في كلام العرب منقول عن كثير من أئمة اللغة والمراد أنه اسم لهذا المعنى لا صفة بمنزلة الأولى ليعترض بأنه ليس من صيغة التفضيل وأنه لا يستعمل استعماله، وينبغى أن يكون المراد به في الحديث هو هذا المعنى ليطابق صور الحديث ولأنه لا وجه للمعانى الخمسة الأول وهو ظاهر ولا للسادس لظهوره وعدم احتياجه إلى البيان وجمع الناس لأجله سيما وقد قال الله تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}. ولا خفاء في أن الولاية بالناس والتولى والمالكية لتدبير أمرهم والتصرف فيهم بمنزلة النبي - صلى الله عليه وسلم - هو معنى الإِمامة فتثبت الإِمامة لعلى بذلك.
والجواب: منع تواتر الخبر فإن ذلك من مكابرات الشيعة - كيف وقد قدح في صحته كثير من أهل الحديث. ولم ينقله المحققون منهم كالبخارى ومسلم والواقدى وأكثر من رواه لم يروا المقدمة التي جعلت دليلا على أن المراد بالولى الأولى بالتصرف وبعد صحة الرواية. فمؤخر الخبر. أعنى قوله .. اللهم وال من والاه يشعر بأن المراد بالمولى هو الناصر والمحب بل مجرد احتمال ذلك كاف في دفع الاستدلال .. وما ذكروه من أن ذلك معلوم كظاهر من قوله تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} لا يدفع الاحتمال لجواز أن يكون