للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن الرسول وأنها تستظل بشريعة الإسلام وتجرى على أحكامه .. وإلا فإنها تخرج عن معنى الخلافة ونظامها الذي قرره الدين وفصل أحكامه صارت ملكا طبيعيا أو سياسيا ومن ثم فإن ابن خلدون يرى أن انقلاب إلى الملك أمر طبيعى قد جرى ووقع في التاريخ.

ولعلى الأمر قد أصبح من الثبوت والوضوح بحيث لا يحتاج إلى مزيد .. وما كان الظن أن يقوم في هذا العصر من المسلمين من يقرر في مؤلفات ومقالات تنشر على الناس ..

أن الخلافة ليست من الدين في شئ ولا صلة للدين بها .. وإنما هي تجربة سياسية جريئة ومغامرة أجراها العرب بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسبقوا إليها ولم يقلدوا فيها قادهم إليها أبو بكر وعمر - وألفوا حكومة عربية سياسية ليست لها صبغة دينية ولم تقم على أساس من الدين رأسها أبو بكر فكان أول ملك في الإسلام وفتحوا الأمصار والبلاد واستعمروها استعمارًا لخير العرب ومصالحهم ..

وأقام هؤلاء الكتاب رأيهم هذا على أساس أن الدين الإسلامي لم يعرض فيما جاء به لشئ من نظم الحكم وقواعد الدولة ومبادئها وأوضاعها إلا في القرآن ولا في السنة لا إجمالا ولا تفصيلا ..

وزاد بعضهم أن هذا الدين لم يعرض لشئون الحياة الدنيا ومطالبها وشئون الناس فيها وتعاملهم معها بل كانت رسالته أساسًا وعنايته أولا وآخرًا .. إصلاح الناس وتهذيبهم وتنظيم علاقاتهم بربهم وإعدادهم إعدادًا صالحًا للفوز بالسعادةالأخروية والفوز بالنعيم المقيم في الجنة ..

وأن النبي محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لم يشتغل بإرساء قواعد الدولة ولا بإقامة بنائها لأن ذلك من شأن الملوك والزعماء السياسيين وهو لم يكن ملكا ولا زعيما سياسيا، وإنما كان مبلغا عن الله ما أنزل إليه ومنذرًا للناس وداعيًا إلى الله بإذنه. ولم يزد فيما عمل على أن شرع شرعا وجمع الناس على دين ..

يقول الدكتور طه حسين في كتابه الفتنة الكبرى (١): وأكاد أعتقد أن الخلافة كما فهمها أبو بكر وعمر كانت تجربة جريئة توشك أن تكون مغامرة. ولكنها لم تنته إلى غايتها لأنها أجريت في غير العصر الذي كان يمكن أن تجرى فيه والذي سبق هذا العصر سبقا عظيما!!! وما رأيك في أن الإنسانية لم تستطع على ما جربت من تجارب وبلغت من رقى .. وعلى ما بلغت من فنون الحكم وصور الحكومات أن تنشئ نظاما سياسيا يتحقق فيه العدل السياسى والاجتماعى بين الناس على النحو الذي كان أبو بكر وعمر يريدان أن يحققاه ..

ويقول: فهل كانت السيرة التي سارها النبي - صلى الله عليه وسلم - ملائمة لما فطر عليه الناس من الأثرة والطمع والحرص على المنافع العاجلة؟

وهل كانت هذه السيرة قادرة على أن تبقى حتى تغير من طباع الناس فترقى بهم إلى المثل العليا التي دعا إليها النبي وصاحباه؟

كان الإسلام وما زال دينا قبل كل شئ وبعد كل شئ .. وجه الناس إلى مصالحهم في الدنيا وفى الآخرة بما بين لهم من الحدود والأحكام التي تتصل بالتوحيد أولا .. وبتصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - ثانيا .. وبتوخى الخير في السيرة بعد ذلك ..

ولكن الدين لم يسلب الناس حريتهم ولم يلغ إرادتهم ولم يملك أمرهم ..

وإنما ترك لهم حريتهم في الحدود التي رسمها


(١) الفتنة الكبرى للدكتور طه حسين ص ٥ - ص ٢١ وما بعدها.