للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخلافة في آل البيت ..

وفريق ثالث على أن تستحيل الخلافة ملكا قيصريا أو كرديا ..

وفريق رابع إلى أن يكون الأمر شورى بين المسلمين دون أن يعرفوا لهذه الشورى نظاما ولا حدودًا ..

ويقول الأستاذ / على عبد الرازق في كتابه "الإسلام وأصول الحكم" (١): التمس بين دفتى المصحف الكريم أثرا ظاهرا أو خفيا لما يريدون أن يعتقدوا من صفة سياسية للدين الإسلامي ..

ثم التمس ذلك الأثر مبلغ جهدك بين أحاديث

النبي - صلى الله عليه وسلم -: تلك منابع الدين الصافية متناول يدك وعلى كتب منك فالتمس منها دليلا أو شبه دليل .. فإنك لن تجد عليها برهانا إلا ظنا ..

وأن الظن لا يغنى من الحق شيئا .. الإسلام دعوة دينية إلى الله تعالى .. ومذهب من مذاهب الإِصلاح لهذا النوع البشرى وهدايته إلى ما يدينه من اللّه جل شأنه ويفتح له سبيل السعادة الأبدية التي أعدها اللّه لعباده الصالحين هو وحدة دينيه أراد اللّه جل شأنه أن يربط بها البشر أجمعين ..

تلك دعوة قدسية طاهرة لهذا العالم كله أن يعتصموا بحبل اللّه الواحد وأن يكونوا أمة واحدة يعبدون إلهًا واحدًا .. تلك دعوة إلى المثل الأعلى لسلام هذا العالم .. دعوة العالم كله إلى التآخى في الدين دعوة معقولة وفى طبيعة البشر استعداد لتحقيقها .. معقول أن يأخذ العالم بدين واحد ..

وأن تنتظم البشرية كلها وحدة دينية ..

فأما أخذ العالم كله بحكومة واحدة وجمعه تحت وحدة سياسية مشتركة فذلك مما يوشك أن يكون خارجا عن الطبيعة البشرية ولا تتعلق به إرادة اللّه .. على أن ذلك من الأغراض الدنيوية التي خلَّى الله بينه وبين عقولنا وترك الناس أحرارا في تدبيرها على ما تهديهم إليه عقولهم وعلومهم ومصالحهم ونزعاتهم …

ولا يريبنك هذا الذي ترى أحيانا في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيبدو كل كأنه عمل حكومى ومظهر للملك والدولة. فإنك إذا تأملت لم تجده كذلك .. بل هو لم يكن إلا وسيلة من الوسائل التي كان عليه أن يلجأ إليها تثبيتا للدين وتأييدا للدعوة ..

وليس عجيبا أن يكون الجهاد وسيلة من تلكم الوسائل هو وسيلة عنيفة وقاسية .. ولكن لعل الشر ضرورى للخير .. وربما وجب التخريب ليعم العمران ..

ترى من هذا أنه ليس القرآن وحده الذي يمنعنا من اعتقاد أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو مع رسالته الدينية إلى دولة سياسية وليست السنة وحدها التي تمنعنا من ذلك ولكن مع الكتاب والسنة حكم العقل وما يقضى به معنى الرسالة وطبيعتها ..

إنما كانت ولاية محمد - صلى الله عليه وسلم - على المؤمنين ولاية الرسالة غير مشوبة بشئ من الحكم .. هيهات .. لم لكن ثمت حكومة ولا دولة ولا شئ من نزعات السياسة ولا أغرض الملوك والأمراء ..

ويقول (٢): تلك الوحدة العربية التي وجدت زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن وحدة سياسية بأى وجه من الوجوه ولا كان فيها معنى من معاني الدولة والحكومة .. بل لم تَعْدُ أن تكون وحدة دينية خالصة من شوائب السياسة .. وحدة الإيمان والمذهب لا وحدة الدولة ومذاهب الملك .. يدلك على هذا سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فما عرفنا أنه عرض


(١) الإسلام وأصول الحكم ص ٨٣ وما بعدها.
(٢) ص ٧٦ وما بعدها.