لشئ من سياسة تلك الأمم الشتيتة .. ولا غير شيئا من أساليب الحكم عندهم ولا مما كان لكل قبيلة من نظام إدارى أو قضائى .. ولا حاول أن يمس ما كان بين تلك الأمم بعضها مع بعض ولا ما كان بينها وبين غيرها من صلات اجتماعية أو اقتصادية ..
ولا سمعنا أنه عزل واليا ولا عين قاضيا .. ولا نظم عسسًا ولا وضع قواعد لتجاراتهم وزراعاتهم وصناعاتهم .. بل ترك لهم كل هذه الشئون وقال لهم أنتم أعلم بها ..
وربما يقال إن تلك القواعد والآداب والشرائع التي جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم - للأمم العربية وغيرها كانت كثيرة .. وكان فيها ما يمس إلى حد كبير أكثر مظاهر الحياة في الأمم فكان فيها بعض أنظمة للعقوبات وللجيش والجهاد وللبيع والمداينة والرهن .. ولآداب الجلوس والمشى والحديث وكثير غير ذلك .. فمن جمع العرب على تلك القواعد الكثيرة ووفق بين مواقفهم وآدابهم وشرائعهم إلى ذلك الحد الواسع الذي جاء به الإسلام فقد وجد أنظمتهم المدنية وجعلهم وحدة سياسية ..
فقد كانوا إذن دولة واحدة وكان النبي عليه السلام زعيمها وحاكمها .. ولكنك إذا تأملت وجدت أن كل ما شرعه الإسلام وأخذ به النبي المسلمين من أنظمة وقواعد وآداب لم يكن في شئ كثير ولا قليل من أساليب الحكم السياسى ولا من أنظمة الدولة المدنية ..
وهو بعد إذا جمعته لم يبلغ أن يكون جزءًا يسيرًا مما يلزم لدولة مدنية من أصول سياسية وقوانين … وكل ما جاء به الإسلام من عقائد ومعاملات وآداب وعقوبات فإنما هو شرع دينى خالص للّه ولمصلحة البشر الدينية لا غير .. وسيان أن يكون منها للبشر مصلحة مدنية أم لا ..
كانت وحدة العرب وحدة إسلامية لا سياسية … وكانت زعامة الرسول فيهم زعامة دينية لا مدنية .. وقد لحق - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى من غير أن يسمى أحدًا يخلفه من بعده ..
ولا أن يسير إلى من يقوم في أمته مقامه .. بل لم يشر طول حياته إلى شئ يسمى دولة إسلامية أو دولة عربية خلافا للشيعة الذين قالوا: إنه نص على خلافة على بعده ولابن حزم الذي قال إنه استخلف أبا بكر بعده بالنص ..
طبيعي ومعقول أن لا توجد بعد النبي زعامة دينية والذي يمكن أن يوجد هو نوع من الزعامة جدير هو الزعامة المدنية أو السياسية لم يكن خافيا على العرب أن اللّه تعالى قد هيأ لهم أسباب الدولة ومهد لهم مقدماتها.
بل ربما أحسوا بذلك قبل أن يفارقهم الرسول فأخذوا حين قبض يتشاورون في أمر تلك الدولة السياسية التي لابد أن يبنوها على أساس وحدتهم الدينية فكانوا إنما يتشاورون في أمر مملكة تقام ودولة تشاد وحكومة تنشأ إنشاء، ولذلك جرى على لسانهم يومئذ ذكر الإمارة والإشارة وتذاكروا القوة والسيف والعز والثروة والعدد والمنعة والبأس والنجدة حتى تمت البيعة لأبى بكر فكان أول ملك في الإسلام ..
وإذا أنت رأيت كيف تمت البيعة لأبى بكر تبين لك أنها كانت بيعة سياسية ملكية عليها كل طوابع الدولة المحدثة، وأنها إنما قامت كما تقوم الحكومات على أساس القوة والسيف - كانت هذه الدولة دولة عربية قامت على أساس دعوة دينية ولعلها كانت ذات أثر في تلك الدعوة وفى تحول الإسلام وتطوره ولكنها لم تخرج عن أن تكون