دولة عربية أيدت سلطان العرب وروجت مصالحهم ومكنت لهم في أقطار الأرض فاستعمروها استعمارًا واستغلوا خيرها استغلالا شأن الأمم القوية التي تتمكن من الفتح والاستعمار ..
ولذلك استحل العرب الخروج على هذه الحكومة والخلاف لها .. وحسب من يقر أن خلافة أبى بكر خلافة حقيقية خلف فيها النبي وكان ذلك من أسباب الخطأ الذي تسرب إلى عامة المسلمين فخيل إليهم أن الخلافة مركز دينى ..
وكذلك نشأ بين المسلمين الزعم بأن الخلافة مقام دينى ونيابة عن صاحب الشريعة عليه السلام ..
والحق أن الدين الإسلامي برئ من تلك الخلافة .. والخلافة ليست في شئ من الخطط الدينية كلا ولا القضاء ولا من غيرهما من وظائف الحكم ومراكز الدولة.
وإنما تلك كلها خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها فهو لم يعرفها ولم ينكرها ولا أمر بها، ولا نهى عنها .. وإنما تركها لنا لنرجع فيها إلى أحكام العقل، وتجارب الأمم ولقواعد السياسة ..
ويقول رفيق بك العظم الزعيم السورى المعروف في مقال له منشور بمجلة المنار - المجلد السابع (١): إن وظيفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - هي تبليغ الرسالة التي بعث بها إلى الناس وبيان الشريعة التي أخذهم بها .. ووضع أصول الدعوة والإِرشاد إلى ما جاء به من عند الله على وجه يتكفل بسعادة الناس وفوزهم في الآخرة بجنة الخلد ونعيمها المقيم .. وليس من وظيفته ولا من شأن رسالته أن يعرض لشئون الدنيا ومطالب الحياة الأولى لأن ذلك من شأن الملوك والزعماء السياسيين .. وهو لم يكن ملكا ولا زعيما سياسيا .. ولم يزد فيما عمل على أن شرع شرعا وجمع الناس على دين ..
هذه هي أقوال هؤلاء الكتاب المسلمين وتلك هي آراؤهم في الإسلام وفى الرسالة المحمدية التي بعثه اللّه بها رحمه للعالمين .. يرى الأستاذان على عبد الرازق ورفيق العظم أن الإسلام دين مجرد ..
دين يخاطب في الناس الجانب الروحى فقط وينظم علاقاتهم بربهم ويعمل على جمع الناس جميعا على عقيدة واحدة وتحت راية دين واحد ولا علاقة له بشئون الدنيا ومطالب الحياة الأولى ولا يعرض بحكم أو تنظيم أو توجيه فيما يأتى الناس أو يذرون من أعمال وأمور تتصل بهذه الحياة الدنيا .. والأمر فيها أمر العقول وما تفكر به، وتجارب الأمم وما توحى به، والظروف المحيطة وما تقتضيه، ويريان أن الرسالة المحمدية رسالة قدسية طاهرة فجاءت للإصلاح والتهذيب والاتجاه بالناس إلى الملأ الأعلى والحظيرة القدسية والفوز بالسعادة الأبدية لا صلة لها بحياة الناس في دنياهم وما يتعاملون به ويتقلبون فيه من شئون هذه الحياة ..
ويجمع هؤلاء الكتاب على أن الشريعة الإسلامية قد خلت تمامًا من قواعد مبادئ التنظيم السياسى وأن القرآن الكريم والسنة المطهرة لم يعرضا لهذا التنظيم ولا لشئ من مبادئه وأحكامه إجمالا ولا تفصيلا ولو قد أتيا بشئ من ذلك لوجب على المسلمين أن يؤمنوا به وأن يسيروا على نهجه ولما أصابهم ما أصابهم في محنة الخلافة وفتنتها والانقسام وما بلغ من أمره .. وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعن في قليل ولا كثير بشئون السياسة ومبادئ تنظيم
(١) مجلة المنار - المجلد السابع لرفيق بك العظم ص ٦٦٣ وما بعدها.