الدولة وإقامة بنائها ولم يشر إلى من يخلفه على أمور المسلمين وشئونهم بعده وإنما استخلف أبا بكر على الصلاة .. فقال المسلمون: رضيه النبي لديننا فما يمنعنا أن نرضاه لدنيانا ..
وأن شئون السياسة وإرساء قواعد الدولة ونظام الحكم - هو من وظائف شئون الملوك والزعماء السياسيين والنبى لم يكن في شئ من ذلك وما كان في عهده أو في عهود المسلمين من بعده من تلك الشئون ومنها الخلافة فإنه لم يؤخذ من الدين ولا صلة له بالدين وإنما خضعوا فيه لوحى الظروف وتجارب الأمم من حولهم ..
وقد قدمنا أن المسلمين بمختلف طوائفهم قد أجمعوا من عهد الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن الخلافة في حكمها وخصائصها ومقوماتها وشروطها وأوضاعها من الدين وقائمة به وعلى أساس عريض واضح من أحكامه ومبادئه ..
وأن ذلك ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والدليل النظرى الشرعى القاطع .. وقد كان يكفى في الرد على موقف هؤلاء الكتاب من الخلافة وتفنيد آرائهم في ذلك والرد عليها أن نحيل بالرد على هذا الذي قدمناه .. ولكن خلافهم ليس قاصرًا على أن الخلافة من الدين أو ليست من الدين حتى يقنعهم في الرد ما قدمنا .. وإنما رأيهم في الخلافة نتيجة لخلافهم في أصل الدين ومفهومه. هل هو رسالة إصلاح وتهذيب فقط ولا شأن له بالدنيا ومطالب الحياة الأولى .. أو أنه عقيدة تسمو بالناس وشريعة ترسم لهم مناهج التعمل في الحياة وتقيم المجتمع الصالح على أساس من أحكامها ومبادئها التي يتعامل بها، وهل عرض لشئون السياسة، وتضمن مبادئ تنظيم كامل ومارس النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الشئون ورسم نظام الدولة وقواعدها، وأقامها على أساس من تلك القواعد أو أنه خلا من ذلك ولم يعرض لشئ منه، ولم يعمل النبي في ذلك شيئًا .. ؟
هذا أساس الخلاف. والخلافة فرع علمه ونتيجة له .. فليست إلا بعدا في النظام السياسى باعتبارها رئاسة الدولة العليا وقيادتها المتقدمة ..
إن الإسلام لو كان مجرد دعوة للإصلاح والتهذيب تصل الإنسان بخالقه وتدعوه إلى ملكوت السموات والأرض ليس له مظهر من مظاهر الحياة في المجتمع الإنسانى ولا يلتقى الناس في هذا المجتمع على حكم من أحكامه أو مبدأ من مبادئه كما يقول هؤلاء الناس لو كان الإسلام كذلك لكان من طبيعة هذه الدعوة أن تدع الناس وشأنهم بهذا الدين لأنه يكون دينا شخصيا يخص الإِنسان وحده، ويدر في كيانه الداخلى دون أن يمس مسًّا مباشرًا صلته بالناس أو بالحياة، ولكن دعوة الإسلام ليست على هذا الوجه، بل هي في حقيقتها دعوة تتجه إلى الإنسان بجانبيه المادى والروحى الفردى والاجتماعى ..
مجال المجتمع هو المسرح الحقيقى الذي يتجلى فيه الدين وتظهر حقائقه وتتكشف أحكامه ومبادئه وما يكون له من آثار كبيرة واضحة في تكوين الجماعة وتوجيه حياتها .. فإن الإِسلام إنما اتجه بحقائقه وأحكامه ومبادئه إلى إقامة مجتمع إسلامى فاضل ورفع بنائه شامخًا قويا على أساس منها وإحاطته بسياج قوى منيع ضد عوامل التخريب وتيارات الهدم وبواعث الفساد ..
وكان هؤلاء الذين يرون في الإسلام مجرد دعوة عقائدية لا صلة له بالحياة العملية