الكتاب العزيز في تلك الأبواب وغيرها مما يوجه مصالح الناس ويعالج مشاكلهم ويرتب حياتهم ..
ومن بعد نصوص الكتاب والسنة التي أجمع الفقهاء على اعتبارها أسسًا عامة لاستنباط الأحكام الشرعية العملية كما سنشير إليها ..
وكل هذا من صميم شئون الحياة الدنيا ومطالبها ومصالح المسلمين فيها ومعاملاتهم معها في مختلف المجالات - جاء الشارع بقوانين تنظمها وتبين أحكامها ..
وأن الناظر في كتاب الله العزيز يجده مليئا بما يدل على أن إرشاده وتشريعه لا يقتصر على شئون العقائد والعبادات وما يتصل بحياة الروح والحياة الأخروية .. بل يجد فيه نصوصا فيما يحل أكله أو شربه، وما لا يحل فيه ذلك ..
قال تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} وقال تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
ويجد كذلك نصوصا في بيان من يحل نكاحهن من النساء ومن لا يحل ..
قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٢٣) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}.
وفى تحريم مباشرة الزوجة في بعض الأحوال كما قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}.
ويجد نصوصا في قسمة تركات المتوفين على ورثتهم كما قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} إلى آخر آيات المواريث ..
وفى الوصية والطلاق والرجعة والإيلاء والإِيمان والكفارات وغير ذلك ..
وهذا كله من أعراض الحياة الدنيا ومطالبها ..
وكذلك الناظر في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - يجدها تفيض بالنصوص المنظمة والمبينة للأحكام في تلك الأغراض وغيرها من شئون مطالب الحياة الدنيا مما يقطع بخطئ القول بأن الإسلام يعرض لشئون الدنيا ومطالب الحياة الأولى ..
وأما حديث أنتم أعلم بأمور دنياكم فإنه قد ورد في واقعة تأبير النخل فحمل على ذلك وما شاكله من شئون الزراعة والصناعة وغيرها من الأمور التي لم تأت الشريعة الإسلامية بتعليمها وكيفية السير بها وما يصلح لها وما لا يصلح ..
وإنما جاءت أحكام التصرفات والأعمال المتصلة بها من حل وحرمة وصحة وفساد كالزراعة والمساقاة مثلا تعرضت الشريعة للعقد فيهما وما يشترط لصحته وما يطرأ عليه فيوجب فساده وهكذا .. أما عملية الزرع والسقاء والحصاد فلا علاقة للشريعة به كعمل ..
.. وأما تعرض الإسلام لشئون السياسة وتنظيم قواعد الدولة وإقامة بنائها .. فقد أشرنا إلى أن التشريع الإسلامي قد توالى بعد هجرة