للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآخرة مسئولية مزدوجة تتلاءم في ازدواجها مع جانبى التشريع الإسلامي الروحى المادى أي الدنيوى والأخروى فإن الإسلام قد وضع الأحكام ورسم الحدود في الأداء والتنفيذ في العقائد والعبادات والأخلاق والتربية وفى المعاملات العامة الاقتصادية والاجتماعية وفى كل ما يتعلق بنظام الحكم وتدبير مصالح المسلمين وهذا كله دين يثاب فاعله ومنفذه والقائم به ويعاقب مخالفه ومنكره ومحاده والخارج عليه.

وللإسلام في كل هذه الجوانب سياسة مرسومة وأنظمة محددة تبرز وتظهر في توجيه المجتمع وسياسة أموره ..

وبذلك كله تقوم الدولة .. فالدين والدولة في الإِسلام مرتبطان لا انفصام لهما .. فلا يمكن تصور دولة إسلامية بلا دين ..

كما لا يمكن تصور الدين فارغا من التعامل مع المجتمع وتوجيه شئونه ومصالحه في الحياة الدنيا فكان من ذلك المسئولية المزدوجة في الحديث الصحيح فيما رواه البخارى: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" ..

فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته ويقوم إلى جانب هذه المبادئ ويكملها ما قررته الأصول الإسلامية العامة خاصًّا بنظرية حقوق الأفراد وحرياتهم العامة .. فقد قررت هذه الأصول الحرية الشخصية أي حرية الذات ..

كما قررت من حرمة القتل والاعتداء على الإنسان في نفسه وماله وعرضه ..

وحرية العقيدة في حدود النظام العام إذ لا يقبل الارتداد ولا الخروج على الإسلام ..

وحرية الرأي والإعراب عنه والنقد بهدف الإِصلاح والتوجيه ..

وحرية الاستيطان والإقامة وحرية التنقل وحرية التملك .. يتمتع بهذه الحريات وبغيرها من الحريات في حدود عدم الإِضرار بحريات ومصالح الآخرين أو بمصالح الدين والدولة.

وقررت الحقوق بسائر أنواعها السياسية كحق الانتخاب والتمثيل والعامة كحق تولى الوظائف والخاصة كحق التعليم .. والانتفاع بخدمات الدولة وأباحت الملكية الفردية في العقار والمنقول وسائر أنواع الأموال دون حدود إلا الالتزام في كسبها بالطرق المشروعة وعدم اكتناز الثروة وتجميع المال والاستغلال والاحتكار ..

ووضعت على هذه الملكية أعباء وتكاليف بشروط وأوضاع لمصلحة الطبقات المحتاجة حقا مقررًا وعلاج مشكلة الفقر ..

وقيدت المالك في تصرفاته في أمواله بمراعاة مصالح الآخرين كالورثة أو الدائنين وعدم الإِضرار بهم ..

وأوجبت على الأمة نبذ المنكر ومقاومة الظلم والاستبداد {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} - "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".

ثم فرج الشارع هذا النظام بإقامة رئاسة الدولة وهما الإمامة والخلافة فأوجب إقامة الإِمام وبين طريقة إدامته وحدود صفاته والشروط التي ينبغى أن تتوافر فيه كما حدد اختصاصاته وبين ما له من حقوق على الأمة وما عليه لها من واجبات، وجعل الأمة بمثابة موكله ومصدر سلطة ومالكة حق محاسبته وتقويمه وعزله.

تلك إشارات لبيان ما احتواه الإسلام في