للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجوانب التي يزعم الكاتبون المسلمون أنه ابتعد عنها ولم يأت فيها بشئ ..

وبقى أن نشير إلى ما عمله النبي - صلى الله عليه وسلم - وهل اقتصر على تبليغ الرسالة وتنظيم شئون الدعوة إلى الله، ولم يكن له في شئون الأمة ومصالحها وسياسة أمورها حكم أو تدبير، أو أنه أسس دولة المسلمين وأقام حكومة فيها وقام على رأس المسلمين يبلغ إليهم الرسالة ويطبق عليهم أحكام الشريعة ويقيم فيهم حدود الله وينظم أجهزة العمل في الدولة ..

أشرنا إلى أن التشريع الإسلامي العملى بدأ في المدينة بعد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوالى مع الأيام ..

كما أن المجتمع الإِسلامى بدأ يتكون على صورد بارزة المعالم في المدينة ..

وقد قلنا أن الإسلام وهو دين ودنيا، ودين ودولة لا يعمل تشريعه ولا يبرز عمليا إلا في مجال المجتمع وهو المجال الخصب الذي تعمل فيه القوانين وتظهر آثارها ومدى ما تنتهى إليه نتائج أحكامها ولابد للمجتمع الجديد أن ينمو ويبقى ويتعامل مع الحياة التي يعيش فيها ..

ولابد أن تبرز في حياته مشاكل في كل جوانب الحياة ولابد من حلول لهذه المشاكل ولابد لمصالح المجتمع من سياسة تديرها وتصل إلى تحقيقها ..

والرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا المجتمع هو سيده الأعلى ورئيسه الذي يدين له بالولاء والطاعة ويلقى الله بالقيادة في شئون الدين والدنيا على السواء .. الدين الذي جاءهم به من عند الله ..

والدنيا التي يعيشون فيها ويتعاملون معها، وسلطان الرسول على هذا المجتمع سلطان روحى ومادى ودينى ومعنوى يرعى النفوس ويهذب الأخلاق ويسمو بالأرواح إلى آفاق قدسية طاهرة ويطهر المجتمع من دنس الشرك ورجس الوثنية ويدبر شئون المسلمين ومصالحهم ويطبق أحكام الشريعة وينفذها فيهم ويقيم حدود الله عليهم ويأخذ على أيدى العصاة والخارجين على تلك الأحكام والحدود ويقيمهم على النهج الواضح والطريق السوى ..

وهو مع ذلك كله وقبل ذلك كله يبلغ الناس ما أنزل إليهم من ربهم شاهدهم وغائبهم ويبين ما في التنزيل ..

هذا المجتمع وقد تحددت فيه من سمات الدولة وعناصر قيامها - الشعبى والاقليمى - لابد لإكتمال عناصر الدولة وبروز شخصيتها في المجتمع الدولى أن تقوم فيه سلطة حاكمة وهى بالنسبة له حكوة دينية تدبر شئونه وتنظم أموره وتقيم العدل فيه وتستغل موارده وتنفق حصيلتها في وجوه النفع والصالح العام وتدافع عنه وتحمى حدوده ضد خطر الغزو والاعتداء وتنظم علاقاته بالدول والمجتمعات الأخرى ..

وتبرم الاتفاقات والمعاهدات وتنظم شئون الحرب وتتولى في الداخل تنظيم شئون الإدارة والتنفيذ وأداة الحكم والقضاء ..

كل ذلك على هدى من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبمقتضى أحكام الشريعة ومبادئ الدين ..

وقد قامت هذه الحكومة فعلا وعلى رأسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى جانبه وزيراه أبو بكر وعمر ومستشاروه من أهل الرأى من أصحابه ونظم أجهزة الدولة والحكومة فأرسل الولاة والعمال إلى الأمصار والأقاليم يعلمون الناس الدين وأحكام الشريعة ويؤمونهم في الصلاة ويجمعون أموال الزكاة وغيرها مما قرره الشارع وما يتصدقون به ويوزعون ما أمروا