أن من تولى بالقهر والغلبة بلا مبايعة من أهل الحل والعقد أن استوفى الشروط المقررة تصح سلطنته للضرورة .. والأصل فيها أن تكون بالتقليد ..
وفى الأحكام السلطانية للقاضى أبى الحسن الماوردى: والإمامة تنعقد من وجهين (١):
الأول: باختيار أهل الحل والعقد.
والثانى: بعهد الإمام من قبل ..
فأما انعقادها باختيار أهل الحل والعقد فقد اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتى:
فقالت طائفة: لا تنعقد إلا بجمهور أهل الحل والعقد من كل بلد ليكون الرضاء به عاما والتسليم لإمامته إجماعًا، وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبى بكر - رضى اللّه عنه - على الخلافة باختيار من حضرها ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها ..
وقالت طائفة: أقل من تنعقد به الإمامة منهم خمسة يجتمعون على عقدها أو بعقدها أحدهم برضاء الأربعة استدلالا بأمرين:
الأول: أن بيعة أبى بكر - رضى الله عنه -: انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها ثم تابعهم الناس فيها وهم: عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وأسيد بن حضير وبشير بن سعد وسالم مولى أبى حذيفة - رضى الله عنهم - ..
والثاني: أن عمر - رضى اللّه عنه - جعل الشورى في ستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل البصرة ..
وقال آخرون من علماء الكوفة: تنعقد بثلاثة يتولاها أحدهم برضا الاثنين ليكونوا حاكما وشاهدين كما يصح عقد النكاح بولى وشاهدين ..
وقالت طائفة أخرى: تنعقد بواحد لأن العباس بن عبد المطلب - رضى اللّه عنه - قال لعلى بن أبى طالب - رضى اللّه عنه -: أمدد يدك أبايعك .. فيقول الناس عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان .. ولأنه حكم وحكم واحد نافذ ..
فإذا اجتمع أهل الحل والعقد للاختيار تصفحوا أحوال أهل الإِمامة الموجودة فيهم شروطها فقدموا للبيعة منهم أكثرهم فضلا وأكملهم شروطا ومن يسرع الناس إلى طاعته ولا يتوقفون عن بيعته ..
فإذا تعين لهم من بين الجماعة من أداهم الاجتهاد إلى اختياره وعرضوها عليه ..
فإن أجاب إليها بايعوه عليها .. وانعقدت ببيعتهم له الإمامة فلزم كافة الأمة الدخول في بيعته والانقياد لطاعته ..
وإن امتنع من الإِمامة ولم يجب إليها لم يجبر عليها لأنها عقد مراضاة واختيار لا يدخله إكراه ولا إجبار .. وعدل عنه إلى من سواه من مستحقيها ..
فلو تكافأ في شروط الإِمامة اثنان قدم لها اختيار أسنهما وإن لم تكن زيادة السن مع كمال البلوغ شرطا .. فإن بويع أصغرهما سنا جاز ..
ولو كان أحدهما أعلم والآخر أشجع روعى في الاختيار ما يوجبه حكم الوفت ..
فإن كانت الحاجة إلى فضل الشجاعة أدعى لانتشار الثغور وظهور البغاة كان الأشجع أحق ..